مؤشرات دسمة حول لبنان: باريس تترقّب الضوء الأميركي الأخضر
حلّت مؤشرات بالجملة توحي بعدم بقاء الوضع السياسي اللّبناني في مساحة الجمود، وتحديدًا بشأن ملف التأليف الحكومي. لذا، تزاحمت الرسائل السياسية الداخلية، فأتت في مقدّمتها عملية توظيف النقمة الشعبية المحقّة، انطلاقًا من طرابلس، وتحديدِ بوصلتها، عبر دفع الاحتجاجات لخدمة مآرب سياسية مجهّلة: يتردّد هنا أن قوى وشخصيات سياسية معارضة لكلا فريقي “العهد الرئاسي” والرئيس المكلّف تأليف الحكومة، دفعت أموالًا لمتظاهرين من أجل زيادة التحشيد الشعبي ورفع مستوى المواجهات في الشارع. رغم أنّ السلطة السياسية هي أوّل من يتحمّل مسؤولية الوصول إلى حالة القحط اللّبناني، نتيجة خلافاتها وتبايناتها المستدامة، وعدم الاتفاق على تأليف حكومة جديدة لوضع حدّ للانهيار الاقتصادي والاجتماعي الحاصل.
تأتي الرسائل الداخلية على وقع تحوّلات مهمة:
أوّلًا، تتسلّم الإدارة الأميركية الجديدة زمام المسؤولية، لتبدأ عملها الخارجي مع موافقة الكونغرس على تعيين أنطوني بلينكن وزيرًا لخارجية الولايات المتحدة بمعارضة جمهورية ضئيلة لكنّها حادّة، رفضًا لمشروع سياساته الخارجية التسووية.
ثانيًا، حمل تصريح رئيس أركان الجيش الاحتلال الإسرائيلي افيف كوخافي رسائل للبيت الأبيض يحذّر فيها من المضي بتسوية أميركية مع إيران، ويشير إلى تحضير تل أبيب الخطط العسكرية الاحتياطية لاستهداف إيران وحلفائها في الإقليم. ممّا يعني أنّ الإسرائيليين تأكّدوا من جدّية واشنطن في إعادة فتح صفحة المفاوضات التسووية مع طهران، من دون أخذ الرفض الإسرائيلي بعين الاعتبار. وهو ما سيترك أثارًا كبيرة على كل ملفات الإقليم ومنها الملف اللّبناني.
ثالثًا، سارعت السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا إلى القيام بزيارات رسمية في بيروت، تحضيرًا لتقديم تصوّر تقدّمه للإدارة الجديدة في بلادها حول المسار اللّبناني، والتركيز على عنوانين أساسيين: ملف الحدود الجنوبية الذي كان شهد مفاوضات غير مباشرة تجمّدت بين لبنان وإسرائيل، وملف تأليف الحكومة اللّبنانية المُعطّل والمعقّد.
رابعًا، أتى تصريح مسؤول في الرئاسة الفرنسية لافتًا في شكله ومضمونه وتوقيته، ليدلّ على إصرار باريس على متابعة مبادرتها تجاه بيروت. فهو رأى أنّ هناك وضعًا عاجلًا في لبنان وهناك أولويات يمكن لفرنسا والولايات المتحدة متابعتها معًا، مركّزًا على أنّ الأولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هي تأليف حكومة لبنانية يمكنها الاستمرار في العمل بفاعلية. ولعلّ الأبرز في تصريح المسؤول الفرنسي هو الطلب من الإدارة الأميركية الجديدة بشأن حزب الله، “المزيد من الواقعية حول ما هو ممكن أو غير ممكن بالنظر للظروف القائمة في لبنان”.
خامسًا، عودة الحياة إلى حراك يُجريه المدير العام للأمن العام في لبنان اللّواء عباس ابراهيم على خط بعبدا-بيت الوسط، بعيدًا عن الأضواء، من أجل تقريب المسافات، بعد تزايد الخلافات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري.
كل ذلك يعني أنّ الوضع الإقليمي الذي يكبّل لبنان، سوف يشهد تغييرات بدأت تطلّ ملامحها من واشنطن إلى طهران، وما بينهما من مساحات اعتراض إسرائيلي أو تأييد أو قلق إقليمي. علمًا أنّ أجندة البيت الأبيض هي حافلة بعناوين دسمة يعمل الرئيس الأميركي جو بايدن على تفنيدها، وتفكيك ألغام وضعها سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وإزاء ذاك الانشغال الأميركي، ستتعزّز فرصة فرنسا في تولي ملف لبنان دوليًا، ويبدو أنّها تنتظر الضوء الأخضر من البيت الأبيض، كما أوحى مضمون تصريح المصدر في الرئاسة الفرنسية، وقد يلوح ذاك الضوء بعد تسلّم بلينكن تقرير سفيرته في بيروت، بموازاة التوجه الأميركي نحو فتح أو بتّ ملفات شرق أوسطية.
عباس ضاهر