طابت الإقامة لفيروس كورونا في لبنان المثقل بأزماته، فبعد أنّ ظنّ اللبنانيون أنّهم تجاوزوا خطر الوباء، عاد عدّاد الإصابات ليرتفع بشكل مخيف، ملامساً عتبة الـ300 إصابة يومياً، مع قطاع طبي منهك، لا يزال يلملم آثار الانفجار وما خلّفه من آلاف الجرحى ملأوا أسرّة المستشفيات، وسط مخاوف ألا يلقى مرضى كورونا سريراً في مستشفى.
فبعد أن احتفل اللبنانيون بالقضاء على الفيروس أواخر شهر حزيران الماضي، أو هكذا ظنّوا، عاد شبح الوباء ليطل من بوّابة المطار، مع مغتربين لم يلتزموا الحجر المنزلي، ومقيمين انطلقوا بعد انتهاء مرحلة التعبئة العامة مقبلين على الحياة دون التزام أدنى معايير الوقاية.
فكيف هو وضع أرقام كورونا في لبنان؟ وهل بلغت المستشفيات قدرتها الاستيعابية القصوى؟
–الآتي أعظم
د. أسيمة دبوني، طبيبة الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى رفيق الحريري الحكومي، أكّدت في اتصال مع “أحوال ميديا”، أنّ الأعداد تزداد بوتيرة سريعة جداً وأنّ الآتي أعظم بعد الانفجار والمظاهرات، حيث حصل الكثير من التخالط، ولم يراعِ المتخالطون سبل الوقاية، ما يرفع التوقّعات بازدياد أعداد الإصابات.
وعمّاا إذا كانت مستشفى الحريري قد بلغت القدرة الاستيعابية القصوى تقول “نحن وصلنا إلى القدرة القصوى لكن ما يحصل أنّه في كل يوم، يخرج مصابون من المستشفى، ويحلّ مكانهم مصابون جدد، اليوم مثلاً خرج أربعة مرضى وفوراً امتلأت الأسرى بمرضى جدد”.
وعن حقيقة ما يشاع عن أنّ الفيروس في لبنان ليس خطيراً كما هو الحال عليه في دول أوروبا وأميركا تقول “عندما وصل الفايروس إلى لبنان كانت أعداد الإصابات قليلة، وكانت قلة من المرضى تحتاج إلى عناية مركّزة، والأمر كلّه عبارة عن أرقام ونسب. في المبدأ لدينا 5 بالمئة من المرضى يحتاجون إلى عناية مركّزة، وعندما تزداد نسب المصابين تزداد بالتالي أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى عناية”.
وعن أعداد الوفيات، تشير د. دبوني إلى أنّ النسبة في لبنان ليست أخف بكثير من باقي البلدان، إلا أنّها ليست مرتفعة كما هو الحال في أميركا وإيطاليا.
وعن أعمار المتوفين بسبب الفايروس، تقول د. أسيمة دبوني، أنّ الأكثرية الساحقة هي لمرضى كبار في السّن ويعانون من أمراض مزمنة، إلا أنّها تلفت إلى أن البعض كان يعاني من مرض مزمن واحد فقط وخسر معركته مع كورونا، وتشير إلى أنّ الوفيات لم توفّر حتى شباب تتراوح أعمارهم بين الـ20 والـ40 وهي أعمار شابة، إنما النسبة كانت ضئيلة جداً ورغم ذلك تستحق دق ناقوس الخطر ليقوم الجميع باتّخاذ إجراءات الوقاية اللازمة.
وعن ازدياد نسبة الأطفال المصابين بكورونا تقول “هذا أمر طبيعي، فالعائلات يعدي أفرادها بعضهم البعض، وفكرة أنّ الأطفال لا يصابون بالفيروس التي يروّج لها البعض لا أساس لها من الصحّة، الأطفال يصابون أيضاً، لكنّ أعراض إصابتهم خفيفة”.
وفي ظل الأجواء المأساوية التي يعيشها البلد، ومرحلة إعادة إعمار ما تهدّم من منازل وشركات وما تستدعيه من اختلاط، تنصح طبيبة الأمراض الجرثومية والمعدية الناس بضرورة وضع الكمامة، وتقول “الكورونا جزء منا، واليوم يحكى عن لقاح روسي يثير علامات الاستفهام بسبب سرعة إطلاقه، لكننا إذا كنا متفائلين وتحدثنا عن تأمين لقاح في نهاية هذا العام، وليس في منتصف العام المقبل كما كان متوقعاً، وفي ظل صعوبة إيجاد دواء في المدى القصير، يصبح الحديث عن الوقاية أمراً لا مفر منه. الكمامة أولاً وأخيراً هي التي تحمي من انتقال العدوى، والتباعد مسافة آمنة وللأسف هي أمور سهلة إلا أن البعض يجد تنفيذها أمراً صعباً”.
وتشدّد على ضرورة حجر المرضى، وعلى التزامهم بالحجر إلى حين شفائهم أياً تكن الأسباب.
هل تجاوزنا الخط الأحمر؟ تقول د. أسيمة “نقول إنّنا تجاوزنا الخط الأحمر عندما تصبح المستشفيات وغرف العناية الفائقة مليئة بالمرضى وعاجزة عن استقبال المزيد منهم، اليوم ثمة مستشفيات ميدانية مجهزة وممكن الإفادة منها أيضاً باستقبال مرضى كورونا، كما أن المستشفيات في المناطق تجهّزت لاستقبال المزيد من الحالات”.
–الأيام المقبلة ستحمل تحدّيات كبيرة
وكان مدير مستشفى رفيق الحريري الحكومي د. فراس الأبيض، قد أكّد صباح اليوم على ضرورة التقيّد بإجراءات السلامة، مع الارتفاع المقلق في أعداد الإصابات.
وعن سؤال “هل يمكن احتواء كورونا بعد الآن في لبنان؟ ” أجاب الأبيض عبر سلسلة تغريدات عبر حسابه على “تويتر” شرح فيها الوضع الصحّي القائم في لبنان، مؤكدّا أن الفايروس لم يوفّر الأطفال والنّساء الحوامل وأّنّ الغالبية العظمى من الحالات سببها انتشار مجتمعي.
وعن وضع مستشفى الحريري الحكومي قال “في مستشفانا، تعمل العناية الفائقة بكامل طاقتها الاستيعابية تقريبًا. النسبة المئوية للاختبارات التي جاءت إيجابية لا زالت في ارتفاع. تجاوز المعدل المحلي 5٪ ، وهو حد مقلق بحسب منظّمة الصحة العالمي”.
ودعا إلى اعادة التركيز من جديد على “كورونا” وضرورة التأكيد على تدابير السلامة وإنفاذها ، خاصة ارتداء الأقنعة في الأماكن العامة.
كما شدّد على حماية الأشخاص المعرضين لمخاطر عالية. من كبار السن والمرضى الذين يعانون من أمراض مصاحبة ويشكلون غالبية الحالات التي تحتاج إلى وحدة العناية المركزة. مؤكداً أنهم بحاجة إلى الالتزام بقواعد أكثر صرامة من بقية المجتمع. وأن من مصلحتهم القيام بذلك بالنظر إلى النقص المحتمل في أسرة المستشفيات.
وعمّا إذا كان لبنان مستعداً لموسم الانفلونزا؟ وهل يمكن فتح المدارس بأمان مع ظهور عدوى كورونا عند الأطفال والمراهقين؟ قال “هذه التحديات سوف تحدث في وقت واحد. لا يمكننا تحمل بقاء الفيروس متفشيا مع وصول الخريف. من الواضح ان الايام القادمة ستشكل تحديا كبيرا”
كما دعا إلى ضرور عدم تحويل الانتباه بعيدًا عن الوباء ما يسمح له بالانتشار دون ضابط.
يذكر أنّ عدد الحالات في العالم تجاوز الـ20 مليون إصابة، أما الوفيات فلامست الـ740 ألف حالة، ولا تزال الولايات المتحدة الأميركية في رأس قائمة الدّول الأكثر تضرراً إذ بلغ عدد الإصابات فيها 5,251,997 وعدد الوفيات166,201، تلتها البرازيل مع 3,057,470 إصابة ثم الهند مع 2,271,034 إصابة.
إيمان إبراهيم