ماذا خلف فيديو عون وأيّ خيارات يملكها الحريري؟
سكب “الفيديو المسرب” بصوت رئيس الجمهورية ميشال عون الزيت الساخن فوق نار العلاقة المتدهورة بينه وبين الرئيس سعد الحريري، فازدادت تأججاً واتساعاً إلى درجة أنّها باتت تهدّد بأن تحرق الأخضر واليابس على خط بعبدا_ بيت الوسط.
ريما يكون كلام عون الحاد ضد الحريري، والذي بلغ حد الاتهام الصريح له بالكذب، قد فاجأ البعض، الا ان العارفين بحقيقة الأمور وخفاياها يعلمون أنّ ما تسرّب ليس سوى “عينة” مما تضج به الغرف المغلقة في القصر الجمهوري وبيت للوسط من اتهامات متبادلة، هي من عوارض انعدام الثقة.
ولعل من علامات التحوّل في نظرة عون الى الحريري، أنّ رئيس الجمهورية الذي لا “يطيق” الرئيس المكلف في هذه الأيام، كان هو نفسه قد سعى بكل ثقله إلى الإفراج عنه في السعودية واستعادته إلى موقع رئاسة الحكومة بعدما أُجبر على الاستقالة منه، وهذا ما ساهم على الأرجح في تفاقم الإحساس بالمرارة لدى عون الذي لم يكن يتوقّع معاملته بنوع من “الجّحود” السياسي.
وليس معروفا كيف يمكن أن تستقيم علاقة الرجلين مجدداً بعد الفيديو القاسي وكيف يمكنهما أن يتعايشا مستقبلاً اذا تشكّلت الحكومة لاحقاً، علماً أنّ هناك من يعتبر انه كان ينبغي على الرئيس المكلف ان يعتذر عن التكليف فور سماعه كلام عون، دفاعاً عن كرامته الشخصية بالدرجة الأولى وبعيدا من أي حسابات سياسية. لكن ما حصل هو العكس تماما، إذ ان القريبين من رئيس تيار المستقبل ردوا على الفيديو الرئاسي بتأكيد عزمه على عدم الاعتذار وتمسكه بالاستمرار في مهمة التكليف، وكأن الحريري يشعر بأن هناك محاولة عبر تصعيد عون وباسيل ضده لاستدراجه الى الوقوع في فخ الاعتذار، تحت وطأة الغضب، وهو الأمر الذي لا يزال يتجنبه حتى الآن.
من هنا، قرر الحريري ان يتعاطى مع هجوم عون بأعصاب باردة، على قاعدة ان لا مكان في الحسابات الدقيقة لردود الفعل الانفعالية والمتهورة، وبالتالي فإن بيت الوسط يفترض ان اي أعتذار تحت تأثير كلام رئيس الجمهورية سيكون كناية عن “فشة خلق”، ريما هي مبررة ومشروعة على المستوى الشخصي، لكنها ستلحق على المستوى السياسي اضرارا واسعة بمصالح الحريري، تبدأ من تحقيق ما يتمناه عون وباسيل وتتنهي عند إخراج رئيس “المستقبل” حتى نهاية العهد من السلطة التنفيذية التي يبدو أنه بحاجة إلى العودة البها لأسباب شخصية وسياسية.
واذا كانت التطورات المستجدة تُبين في الظاهر ان خلاف عون- الحريري وصل الى مرحلة اللاعودة وان التفاهم بينهما أصبح شبه مستحيل، الا ان اوساطا سياسية تعتبر ان لا مستحيلات في لبنان المحكوم، نتيجة خصوصية تركيبته، بالتسويات الالزامية في نهاية المطاف مهما اشتدت النزاعات والخلافات، وبالتالي لا قطيعة تامة او خصومة دائمة بين القوى السياسية التي تملك مقدارا كبيرا من البراغماتية وتجيد التكيف مع المراحل ومتطلباتها، وفق ما تقتضيه المصالح لا العواطف.
وتشير تلك الاوساط الى ان التصعيد الحالي قد يكون يرمي الى تحسين شروط التفاوض والتموضع السياسي، في انتظار اختمار الظروف الداخلية والخارجية الملائمة لتشكيل الحكومة، وعندها سيعود الود بين المرجعيات المتخاصمة، وسيقنع الحريري نفسه بأن عون كان يمزح معه في الفيديو المسرب، ليس الا!
أين حزب الله مما يجري؟
على الرغم من تفهم الحزب لموقف عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، غير انه لم يتراجع بعد عن اقتناعه بخيار الحريري، وهو لا يحبذ المبالغة في إحراجه الى حد إخراجه من معادلة التكليف.
وبناء عليه، فإن الحزب يحاول ان يربح الحريري، من دون ان يخسر عون وباسيل، على قاعدة ان مواجهة التحديات تتطلب تفاهمات وطنية لا تقصي احدا. ولعل السيد حسن نصرالله ترجم هذه الاستراتيجية من خلال اشارته، في خطابه الأخير، الى ضرورة معالجة المخاوف وايجاد الضمانات لتسهيل تشكيل الحكومة، فيما كشف مطلعون ان عون وباسيل كانا ينتظران من حزب الله ان يرفع سقفه ونبرته اكثر حيال سلوك الحريري في ملف تشكيل الحكومة، في حين ان الحزب يحرص على ابقاء جسوره ممدودة معه، لمنع اي توتر سني- شيعي من جهة وليكون الحريري من جهة أخرى شريكا عبر رئاسة الحكومة في تحمل مسؤوليات معالجة الازمة الاقتصادية المالية من خلال موقعه الداخلي وعلاقاته الخارجية.