رسائل سياسية إلى بايدن: لا تكن مثل ترامب!
اقترب عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من نهايته، بعد استسلامٍ وتسليمٍ بتصديق انتخابات الرئيس المنتخب جو بايدن؛ استسلام مذّلٌ لرئيس الولايات المتحدة الأميركية يراه معلّقون أميركيّون؛ إذ لم تكن خاتمة حكمه مسكاً، ومُنع أخيراً حقّ التعبير عن رأيه، بعد أن سجّل مواقف شعبويّة، اتَّصفت بالسّلبية والفوضويّة وضرب المؤسسات الدستورية، بالإضافة إلى التحريض على العنف.
عهد ترامب اتّسم بالانقسام الكبير بين مواطنين رأوا فيه رئيساً مخلّصاً صانعاً أميركا العظيمة، وبين مؤسّسات اعتبرته الضربة القاضية للحلم الأميركي إذ حَكَمَ بـ”العار” و”قلّة الاتزان” و”الخروج عن تقليد العلاقات الدبلوماسيّة المؤسّساتيّة”.
منع ترامب من التغريد
وحظر تويتر على الرئيس الأميركي عن التغريد بشكل دائم يوم الجمعة، واتّخذ خطوة دراماتيكية للحدّ من قدرة الرئيس على التواصل مع متابعيه. قد يبدو هذا القرار، الذي تمّ اتّخاذه في ضوء تشجيعه للغزو العنيف لمبنى الكابيتول يوم الأربعاء، مفاجئاً لأيّ شخص ليس على دراية خاصّة بوجوده على تويتر.
في الواقع، منحت إدارة تويتر ترامب العديد من الفرص خلال السنوات الأربع التي قضاها رئيساً، ممّا أبقاه على المنصّة بسبب اعتقاد الشركة بأنّ خطاب قادة العالم يصبّ في المصلحة العامة، حتى لو خالف القواعد.
والآن، برزت لمحة مثيرة للاهتمام حول عملية صنع القرار السياسيّ التي أدّت إلى قيام تويتر بإسقاط المطرقة يوم الجمعة، إذ أعلنت الشركة لأول مرّة حظر ترامب في سلسلة من التّغريدات من حسابها TwitterSafety، ولكنها مرتبطة أيضاً بمنشور مدوّنة يوضح تفكيرها بالتفصيل.
وأوضحت الشركة أنّها منحت ترامب فرصة أخيرة بعد تعليق حسابه، ثمّ أعادت النظر في وضعه مرة أخرى بسبب الانتهاكات التي ارتُكبت يوم الأربعاء. وفي اليوم التالي، دفعه زوجان من التغريدات على تويتر إلى تجاوز الخطّ. وقال موقع تويتر إنّ تلك التغريدات لم يتمّ فحصها على أساس مستقلّ، لكنها تُصنّف ضمن سياق سلوكه الأخير وأحداث هذا الأسبوع.
وكتبت إدارة تويتر: “لقد قرّرنا أنّ هذه التغريدات تنتهك سياسة تمجيد العنف، وأنّ المستخدم realDonaldTrump يجب إيقافه فوراً بشكل دائم من الخدمة”.
رسائل إلى بايدن: انبذ العنصرية
منذ لحظة إعلان وسائل الإعلام الأميركية نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالح جو بايدن، بدأ المعلّقون السياسيون الأميركيّون بالتطرّق إلى الحاجة للوحدة وتضميد الجراح في بلد منقسم بشدّة. وقد تمّ الإدلاء بأصوات في هذه الانتخابات أكثر من أي انتخابات أخرى – حوالى 145 مليون صوت – مع حصول بايدن على إجمالي أصوات أكثر من أيّ مرشّح رئاسيّ في التاريخ الأميركيّ. ولكن بدلاً من الاعتراف بالهزيمة، تنافس دونالد ترامب الخاسر في الانتخابات من خلال الوسائل القانونية، وسعى بلا شك إلى إبطال أعداد كبيرة من الأصوات من الأشخاص ذوي البشرة السمراء، كما وصفها المعلّق السياسي الأميركي أندر بري “الهدف التقليدي لمثل هذه التحديات الانتخابية”.
وكتب المعلّق السياسي متّهماً ترامب بممارسة العنصرية والتمييز بين الأعراق:
“التعافي الاقتصادي للأمة من كوفيد_19 متفاوت بشكل صارخ، مع معدّل بطالة في أوساط السود بنسبة 80 في المئة في مقابل البيض، بينما تسمح التفاوتات المستمرة في الإنفاق على التعليم للمدارس، التي يهيمن عليها الطلاب الملوّنون، بتلقي 23 مليار دولار أقلّ من المدارس البيضاء في الأغلب، فيما 90٪ من الشركات المملوكة من أشخاص ملوّنين لم تتلقَ قروض إغاثة من كوفيد_ 19 من قانون” Cares””. وتابع: “تتواصل عمليات القتل خارج نطاق القضاء بحق السود، ممّا يدق إسفيناً مكلفاً بيننا”.
وأردف المعلّق، عندما يتحدّث العديد من السياسيين والمحلّلين عن شفاء أمّة مقسّمة، فإنهم يخلقون تكافؤات زائفة بين “اليسار الراديكالي” المفترض والمنظّمات التاريخيّة المتعصّبة للعرق الأبيض، لافتاً إلى أنّ مزاعم ترامب التي لا أساس لها بشأن تزوير الناخبين تدلّ على أنه من أجل مداواة البلاد، يجب أن نكون واضحين بشأن ما يفرّقنا حقاً: العنصرية”.
ولفت إلى أنّه حتى التقسيم المفترض بين المناطق الحضريّة والريفيّة في أميركا لا يضرّ بالبلد مثل العنصريّة الحاصلة.
هذا، وبعد أن تمّت الدعوة إلى انتخابات عام 2016 لصالح ترامب، لم يستغرق المحلّلون وقتاً طويلاً ليعلنوا أنّ الديمقراطيين بحاجة إلى فهم أفضل للناخبين الريفيين والطبقة العاملة والتعاطف معهم، كما لو أنه لا يوجد أفراد من الطبقة العاملة السوداء والبنية في المدن الصغيرة. ما يدمّر هذه الأشياء هو الافتراض غير المعلن “بأنّ البلاد لا يمكن أن تلتئم إذا لم يتمّ استيعاب الأميركيّين البيض أولاً”.
ووجّه أندر بري رسالة إلى بايدن، قائلاً: “إذا كنت تريد أن تُعالج بلداً مقسّماً حقاً، فلا ينبغي لك تدليل القلق العنصريّ الأبيض المتجذّر في المكانة والامتياز، ولا ينبغي أن تُبنى السياسة على كيفية تهدئة أو إشعال هذه الأمراض. الأميركيون – خاصة أولئك الذين هم من السود، والأميركيين الأصليين، والأميركيين الآسيويين، واللاتينيين- ليس لديهم فائدة تذكر في صنع السياسات التي تشتت انتباههم بسبب التهديد برّد الفعل العنصري، وكونك رئيساً لجميع الأميركيين يفرض عدم التركيز على مظالم البيض المتجذّرة في مفاهيم خاطئة عن التفوّق.
“إيقاف رؤساء على غرار ترامب من الوصول”
ووجّه الأميركيون رسالة أخرى إلى بايدن؛ وكتبت المعلّقة السياسية إليان كمارك أنّ الديمقراطية السليمة تحتاج إلى رعاية مستمرّة. وقالت: “حان الوقت لإلقاء نظرة على نظامنا الديمقراطيّ بأكمله ومعرفة أين يجب إجراء التغييرات. فإنّ إصلاح النظام الأساسي لإعادة إدخال بعض العناصر في نظام الترشيح لدينا سيقطع شوطاً طويلاً نحو منع أشخاص مثل ترامب من الحصول على فرصة للرئاسة في المقام الأول”.
لكن هذا ليس سوى مجال واحد من العديد من المجالات التي تتطلّب الإصلاح، وقالت: “العديد من الإصلاحات هي قضايا نشأت في فترات رئاسيّة أخرى لكنّها تفاقمت بسبب رئاسة ترامب. على سبيل المثال: خضعت عمليّة العفو الرئاسيّ للتدقيق خلال رئاستَي جورج دبليو بوش وبيل كلينتون؛ وتمّ انتقاد عملية المستشار الخاص وتعديلها منذ أن تمّ استخدامها لأول مرة خلال Watergate في السبعينيات”.
وتابعت المعلّقة السياسية: “تعود الأسئلة حول السياق السياسيّ لتحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى عهد ج. إدغار هوفر (1935 إلى 1972) لكن ربما تكون مقترحات الإصلاح الأكثر إثارة للاهتمام هي تلك التي تتناول قضايا تنفرد بها رئاسة دونالد ترامب؛ لم يحدث من قبل في التاريخ الأميركي الحديث أن اشتبهنا في أن رئيساً ما زال يعمل لصالح قوة أجنبيّة. وكما قالت رئيسة مجلس النواب بيلوسي خلال اجتماع في البيت الأبيض لدونالد ترامب: “أنت تتبع كلّ الطرق التي تؤدّي إلى بوتين””.
وأردفت: “الشكّ المستمرّ في أن لروسيا شيئاً ما على دونالد ترامب ظلّ معلّقاً على رئاسته منذ الكشف عن تدخّل روسيا في انتخابات عام 2016. ونظراً إلى عدم وجود سابقة، فليس من المستغرب أنّ القوانين الموجودة في السّجلات لم تكن كافية للتعامل مع رئيس يُشتبه في أنّه مدين بقدر كبير لأيّة قوّة أجنبية، ناهيك عن أنّه عدو للولايات المتحدة”.