
باستطاعة لبنان أن يضيف في السنوات الخمسة المقبلة ما بين 1244 ميغاواط و4263 ميغاواط من الطاقة المتجدّدة بحسب السيناريوهات التي أعدّها المركز اللبناني لحفظ الطاقة والتي تشير إلى إمكان إنشاء مزارع طاقة شمسية وتعزيز الأنظمة المنزلية فضلاً عن استغلال الإنتاج بواسطة الرياح والمياه الجارية والنفايات. وهذا يعني، وفقاً للمركز أن إنتاج الطاقة من المصادر المتجدّدة أصبح أكثر تنافسية من توليد الكهرباء بالوقود الأحفوري.
أعدّ المركز اللبناني لحفظ الطاقة، خطّة تحوّل للمدة ما بين عامَي 2025 و2030، وتتضمن تحليلاً كمّياً لحجم الاستثمارات المطلوبة لتنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة في لبنان وفقاً لثلاثة سيناريوهات: سيناريو الركود، السيناريو الواقعي، وسيناريو الثورة الخضراء. واستند هذا التحليل على بيانات الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) بين عامَي 2010 و2020 وأظهرت انخفاضاً متواصلاً في كلفة الاستثمار في مختلف وسائل الإنتاج. سجّلت البيانات تراجعاً في هذه الكلفة بنسبة 85% للطاقة الشمسية الكهروضوئية، وبنسبة 56% للإنتاج بواسطة الرياح على اليابسة.
وعلى هذا الأساس أظهر تحليل الأسعار، أن الكلفة التقديرية لمستويات الإنتاج بالوسائل المختلفة، أصبحت على النحو الآتي: 1,000 دولار لكل كيلوواط منتج بالطاقة الشمسية، و1,603 دولارات منتج بواسطة الرياح، و1,800 دولار للطاقة الكهرومائية، و3,835 دولاراً للغاز الحيوي، وصولاً إلى نحو 5,495 دولاراً للطاقة الشمسية المركزة (CSP).
وبالتالي يقدّر التقرير أن إجمالي الاستثمارات المطلوبة يُراوح بين نحو 1.3 مليار دولار في سيناريو الركود، و3.8 مليارات دولار في السيناريو الواقعي، وصولاً إلى 6.2 مليارات دولار في سيناريو «الثورة الخضراء». وتشمل هذه الاستثمارات إنشاء مزارع رياح بقدرة تصل إلى 826 ميغاواط في السيناريوهين، فضلاً عن تطوير محطات طاقة شمسية مركزية ولا مركزية بقدرات إجمالية تُجاوز 2,700 ميغاواط، إضافة إلى مشاريع للطاقة الكهرومائية والغاز الحيوي.
تطوّر كهذا يحقّق مكاسب اقتصادية وإستراتيجية مهمة، ولكنه يحتاج إلى تخطيط إستراتيجية ورؤية واضحة غائبة عن وزارة الطاقة حتى الآن. إذ إن كلفة الكيلوواط ساعة من الطاقة المتجدّدة أقلّ بكثير من كلفة الإنتاج بالوسائل التقليلدية. وتُقدّر كلفة بيع الكهرباء من مزارع الرياح بنحو 9.6 سنتات للكيلوواط ساعة مقابل نحو 27 سنتاً للتعرفة التقليدية لكهرباء لبنان. كما يتيح الانتشار الواسع للإنتاج بواسطة الطاقات المتجددة فرصاً لتحسين أمن الطاقة الوطني، وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد، وتحسين الميزان التجاري، فضلاً عن خفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وفقاً لما يقول المركز.
لكن المشكلة في تدفق ما يسمّى «التمويل المناخي» الذي تشكّل الطاقة 10% منه. فبين عامَي 2012 و2019 كان التمويل لهذا النوع من القدرات الإنتاجية محدوداً، ثم سجّل ارتفاعاً ملحوظاً في عامَي 2022 و2023 ليبلغ 900 مليون دولار. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي المموّل الأكبر للبنان في هذا المجال، بحسب التقرير، إذ أسهم بنحو 235 مليون دولار، تليه ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. كما موّلت مؤسسات مالية دولية كالبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD) والبنك الدولي عدداً من مشاريع الطاقة المتجدّدة في المنطقة.
لبنان قادر على زيادة الإنتاج بالطاقة المتجدّدة بـ 3500 ميغاواط
وسبق أن خاض عدد من البلدان تجارب مماثلة في هذا التحوّل النوعي نحو إنتاج الكهرباء بوسائل متجدّدة. ألمانيا والدنمارك، مثلاً، نجحتا في رسم «برنامج طاقوي» يرفع حصّة الطاقة المتجدّدة إلى أكثر من 45% من إجمالي الإنتاج الكهربائي. فقد رسمت هذه الدول وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، إستراتيجيات حكومية تدعم الإنتاج اللامركزي للطاقة (الإنتاج في المنازل) إضافة إلى بناء بنى تحتية واسعة على المستوى الوطني.
وحدّدت أهدافاً طويلة الأمد للمزج بين الطاقة الخضراء والطاقة التقليدية، وذلك عبر تقديم حوافز مالية للمستثمرين والأفراد مثل التعرفة التحفيزية أو الإعفاءات الضريبية، ثم عمدت إلى الاستثمار في تطوير شبكات النقل والتوزيع لتكون قادرة على استيعاب مصادر طاقة متغيّرة مثل الرياح والشمس.
فعلى سبيل المثال، نجحت ألمانيا في رفع حصّة الطاقة المتجددة إلى أكثر من 45% من إجمالي إنتاج الكهرباء بحسب ما ورد في تقرير وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية لعام 2022، وفي الدنمارك، أصبحت طاقة الرياح تمثّل أكثر من نصف إنتاج الكهرباء الوطني، وذلك إثر عقود من دعم مشاريع التوربينات البحرية والبرية بحسب تقرير «الطاقة في الدنمارك» الصادر عن وزارة الطاقة الدنماركية لعام 2023.
صحيح أن كل بلد يمثّل حالة خاصة، لكن أساس التخطيط الإستراتيجي هو أن التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة ودمجها بالطاقة المنتجة بالوسائل التقليدية ليس خياراً تقنياً فحسب، بل أساسه خيار سياسي – اقتصادي تخطّط له الدول عمداً خلافاً لما حدث في لبنان في السنوات الأخيرة عندما انطلق استثمار الأسر في أنظمة الطاقة الشمسية كردّ فعل فردي على أزمة تدني قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على الإنتاج. كان الأمر عشوائياً إلى حدّ مخيف. لكن فرصة التنظيم والتخطيط لم تفت بعد، وحافزها أن العشوائية السارية في مجال توليد الكهرباء بواسطة مولدات الأحياء مكلفة على الدولة والأسر والبيئة.
الفاتورة النفطية التي يذهب أكثر من نصفها لتمويل إنتاج الطاقة، تبلغ 4.1 مليارات دولار أو ما يساوي 16% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي لبنان أكثر من 7000 مولّد في الأحياء المختلفة تبخّ ملوّثاتها في الهواء بلا أي رقابة وترفع من معدلات الإصابة بالسرطان وأكلافه على التغطية الصحية الرسمية والخاصة، فضلاً عن أن كلفة الكهرباء من المصادر الرسمية ما تزال مرتفعة جداً، إذ يُباع الكيلواط بنحو 27 سنتاً.



