الزلزال الدرزي الصامت: هل تشهد الطائفة انهيار نظامها السياسي التقليدي؟
كتب عامر ملاعب - خاص أحوال ميديا

ارتجاج عميق واهتزاز بنّيوي ملحوظ يصيب الجماعة الدرزية في لبنان، ارتجاجٌ طبيعي على وقع تصدّعات المنطقة وارتدادتها التلقائية، حيث أن الطائفة جريحة في سوريا سبياً وقتلاً وسحلاً وذبحاً على يد الارهاب المقنّع بسلطة مؤقتة تدّعي زوراً أنها “دولة” شرذمة مجرمة عالقة في بطون الجاهلية .
وللذهاب في العمق أكثر، يبدو هناك عطبان جوهريان او بالأحرى مؤشران يحملان دلالات سلبية على أصحاب القرار في الطائفة،
العطب الأول إيجابي حتى العظم تجلى في الروح التغييرية المتمردة داخل البيئتين الأرسلانية والجنبلاطية والتي باتت هاجساً مقلقاً لكلا الزعامتين اللتين تجتهدان لاحتوائها عبثاً، نظراً لوعي الجيل الجديد وانخراطه بمشروع الحداثة بشكل عملي وانزياحه عن زبائنية لطالما تكرست تحت ضغط الحاجة لوظيفة هنا وخدمة هناك يقابلها ولاء واصطفاف مذل، فكان الذهاب إلى التحصيل العلمي العصري والهجرة عن البلد كما عن حكام البلد.
أما العطب الثاني فطال الشريحة الجنبلاطية التي ارتعش وجدانها بفعل قسوة مشهدية السويداء ورفضها مجاراة موقف الزعيم وليد بك جنبلاط، فاذا بالحالة التي يشكلها رجال الدين الجنبلاطيين تنفضّ من حول المختارة رافضة سرديتها وتختار الشيخ حكمت الهجري والشيخ موفق طريف، كعنوانيْن لحماية الجماعة الدرزية التي تاهت هويتها تحت وطأة الذبح الممنهج ليس للابرياء الدروز في السويداء وحسب، بل لتاريخ الجماعة الدرزية الموصول رحمياً بحبل صرة العروبة والاسلام الحقيقي.
التغيير والجنبلاطية الدينية عطبان يؤرقان الزعامة الجنبلاطية لحساسيتهما ومخاطرهما على البيت الجنبلاطي، وكأنهما كرة نار ملقاة في حضن الزعيم الشاب تيمور بك جنبلاط.
الزعامة الارسلانية تتقاطع مع الزعامة الجنبلاطية في انبعاث التغيير وانفضاض الأنصار من الجيل الجديد عن خلدة، كما هو حال الحالة الجنبلاطية لكنها أقسى بأضعاف عن البيئة الجنبلاطية نظرا لفارق الحجم الشعبي الكبير .
العطب الثاني في زعامة أرسلان هو التحام الأمير طلال ارسلان بوليد بك جنبلاط كجسمين بروح واحدة، لان انهيار أحدهما او ضعفه بالحد الأدنى سيجر معه الآخر الذي لم يكن يوماً لا عدواً ولا خصماً، بل حالة تقاسمية للدروز مضبوطة الإيقاع على قاعدة الحماية المتبادلة .
غير ان التصاق أرسلان بجنبلاط بعد احداث السويداء لحمايته من ضغط رجال الدين والتململ الشعبي، الحقت خسارة كبيرة بارسلان نظراً لان انصاره باللاوعي يفترضون ان الفرصة سانحة للافادة من تراجع جنبلاط لاستعادة وهج خلدة، فإذا بالمير يلتحق بالبك ويتحمل وزر خسارته فيخسران معاً وهذه كانت خطوة قاتلة لارسلان، الذي استدرك مخاطرها لاحقاً فتمايز بخطابه وتصريحاته واطلالاته، لكن، سبق السيف العزل.
هذا المناخ أعاد انبعاث ما يسمى باليزبكية السياسية التي بدأت تتململ من تحت العباءة الارسلانية للقول بأن حسابات اليزبكية لا تتواءم مع الحالة الارسلانية، التي ظاهرياً أوحت أنها تمثل اليزبكية التاريخية لكنها عملياً هي صنو الجنبلاطية واختطفت اليزبكية تحت عنوان ان الارسلانية حالة ضدية للجنبلاطية، فجاءت الاحداث والوقائع والمعطيات والمتغيرات الإقليمية لتؤكد ان اليزبكية الدرزية مخطوفة لصالح ثنائية ارسلانية – جنبلاطية هما بالحقيقة مرآة لبعضهما ووجهان لجسد سياسي واحد .

خلاصة القول ان متغيران نقيضان في خضم هذه البلبلة: جنبلاطية دينية متمردة على سياسة جنبلاط حيال أحداث السويداء، ويزبكية تطل برأسها وتتمدد كالماء جراء خديعة تاريخية لتتسرب من الوعاء الارسلاني، وتعبّر عن ذاتها بأن الارسلانية شيئ واليزبكية أمر آخر مغاير تعيد إنتاج ذاتها، أي صحوة بدأت تتبلور ظاهرة سياسية يصعب إعادتها إلى كنف الارسلانية.
وبكل وضوح هذا واقع الجماعة الدرزية الحقيقي وكل حديث خارج هذا المناخ المستجد الذي بدأ يفرض نفسه ليس سوى عمليات تجميل فاشلة، مع الإشارة إلى أن الجنبلاطية السياسية ستخوض بشراسة معركة فرملة التغيريين وإعادة ضبط رجال الدين الجنبلاطيين وانتزاعهم من حضن الشيخ موفق طريف، وكذلك الارسلانية السياسية ستقاتل بشراسة في وجه التغيريين وايضاً ستسعى لوأد المولود اليزبكي الجديد الذي إذا ما كبر واشتد عوده يعني مقتلة حقيقية للأرسلانية السياسية.



