تهريب وسوق سوداء.. أزمة “الغاز” في عكار إلى كل لبنان؟
تشهد عكار والمناطق المجاورة زحمة مستهلكين لتأمين احتياجاتهم المنزلية من مادة “الغاز”، حيث يصطف الأهالي بـ”الطوابير” يوميًا أمام شركات تعبئة الغاز المحلية، منتظرين بالساعات لتعبئة “قَوَارِير” الغاز التي باتت تُوزَّع بـ”القطّارة”، بعد تصاعد أزمة النقص بمادة الغاز المنزلي في المحافظة.
هي أزمة جديدة في قطاع النفط والغاز، يردّ رئيس نقابة العاملين والموزعين في قطاع الغاز ومستلزماته، فريد زينون، أسبابها إلى ثلاث نقاط، هي: عدم فتح الاعتمادات المطلوبة، فرض كوتا، واحتمال وجود تهريب.
ويؤكد زينون في حديث لـ”أحوال” أنّ المطلوب هو حلّ المشاكل المالية بين الشركات ومصرف لبنان الذي لا يقوم بالتحويلات اللازمة إلى الخارج، إلى جانب دفع المستحقات كاملة لتلك الشركات، فبواخر الغاز، بحسب زينون، “تفرغ حمولتها باستمرار، إلا أنّ المشكلة تكمن بعدم دفع المبالغ المتوجبة، خصوصًا أن الدفعات بالدولار تُمرّر “بالتقسيط”، في حين أن الشركات قد لا تنتظر أكثر، فهي تريد أموالها”.
أمّا المشكلة الثانية، وفقًا لـ”زينون”، فتتعلّق بـ”الكوتا”، أي السقف المفروض على الكميات التي يحق للموزعين تصريفها، ففي الوقت الذي يحتاج سوق كل موزّع إلى 500 قارورة غاز في اليوم، يُعطى بدلًا من ذلك 250 فقط، أي نصف الكمية المطلوبة، فكيف سيتمكّن الموزّع من سدّ حاجة السوق بهذه الكمية؟، يسأل زينون.
وفي هذا السياق، يلفت إلى أنّ “الكوتا” وُضعت بناءً على نسبة استهلاك المواطنين للغاز عام 2018، “وهو أمر غير منطقي”، برأيه، “حيث أن نسبة استهلاك العائلات ارتفعت نظرًا لارتفاع عدد السكان في المنطقة، وكذلك عدد المطاعم والأفران والمؤسسات التجارية، إلى جانب تركيب العدادات لترشيد استهلاك الكهرباء، ما جعل الأهالي يستبدلون وسائل التدفئة وخزانات تسخين المياه بالغاز، وبالتالي ارتفاع نسبة استهلاك العائلات العكارية للغاز”، وفقًا لزينون.
وعن احتمال تهريب قوارير الغاز، يقول زينون إنّ “موضوع ضبط التهريب ومراقبة الحدود هو من مسؤولية القوى الأمنية، ويتوجّب على هذه الأخيرة التحقيق في الموضوع والقبض على المهربين”، كاشفًا عن وجود “سوق سوداء” تستغل أزمة انقطاع الغاز للمتاجرة بالقوارير بضعف السعر، حيث وصل سعر قارورة الغاز الواحدة إلى 40 ألف ليرة، بدلاً من سعرها الرسمي المحدّد من وزارة الاقتصاد بـ19300 ليرة لبنانية”.
هذا وحمّل النقيب زينون كلّ من وزارتي الطاقة والمياه من جهة، والاقتصاد والتجارة من جهة أخرى المسؤولية وطالبها بمتابعة الملف، مستغربًا “عدم تحرّك الجهات المعنية بالرغم من الحيّز الكبير الذي أخذته هذه القضية على وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
بدوره، أكّد مدير عام وزارة الاقتصاد، محمد أبو حيدر،م في حديث لـ”أحوال”، أنه التقى وفدًا من نقابة مستوردي الغاز في عكار للاطلاع على تفاصيل المشكلة، وبعد الاستماع الى مشاكلهم، “اتضح لنا أن بعض الموزعين يضطرون للنزول الى بيروت لتأمين الكميات المطلوبة من قوارير الغاز، وهو ما يبرر ارتفاع سعرها”، بحسب أبوحيدر.
ويضيف: “اتصلت بمحافظ عكار عماد اللبكي، واتفقنا على إرسال مراقبين للاطلاع على لوائح البيع من الشركات ومعرفة الكميات الموزعة والجهات المستلمة، وبالتالي معرفة ما إذا كان هناك احتكارًا أم لا”، لافتًا إلى أنه في حال تبيّن أن المشكلة تكمن في الكمية التي تعطيها الشركات للموزعين، فهذه المهمة تصبح من صلاحيات وزارة الطاقة وليس وزارة الاقتصاد”.
من جهتها، تشير مديرة عام النفط في “وزارة الطاقة والمياه”، أورور فغالي، في حديث لموقعنا إلى أنّ تحركات الوزارة في ملف الغاز مقيّدة بعض الشي، موضحة أنّ دعم الغاز من قبل مصرف لبنان يجعل سعر قارورة الغاز اللبنانية أرخص من سعر القارورة السورية، علمًا أن كمية الغاز التي تم استيرادها هذا العام توازي الكمية التي تم استيرادها العام الماضي، وبالتالي فليس هناك أي نقص في الكميات المستوردة، انما بعض الأطراف “يهرّبون” الغاز إلى سوريا، وسط غياب رقابة الأجهزة المعنية.
وبناء على ما تقدّم، تكشف فغالي أن وزارة الطاقة والمياة عقدت اجتماعًا مع أصحاب شركات الغاز، وطلبت منهم التحقّق من الجهات التي يسلمونها الغاز ومع من تتعامل هذه الاخيرة، بالإضافة إلى تخفيف الكمية التي تُوزّع وعدم إعطاء أكثر من الكمية التي أُعطيت العام الماضي، “لأنّ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، لن يدعم كميات أكثر من الغاز”، وفقًا لـ”فغالي”.
بعد رحلة صمود طويلة شقّها اللبنانيون، ومحاولات صعبة للنجاة من عام 2020، أزمة جديدة تطلّ عليهم في آخر شهر من السنة، لتذكرهم بحجم المأساة التي يعيشونها في بلد أصبحت فيه الحاجات “الأساسية” للعيش من “الكماليات”. فهل تُحلّ أزمة الغاز في لبنان، أم سيعجز المعنيون عن السيطرة عليها لتنتشر على جميع الأراضي اللبنانية؟
باولا عطية