كارلا حداد المشاكسة التي لم تنتصر لقضايا النّساء ولكن…
كل شيء أنثوي، الحضور والكلام والموسيقى كلها ملتحفة باللون الزهري.
الرجل ضيف عليه أن يخالط هذه الأنثوية بالكثير من الاختلاف.
الجو في برنامج “في male” لمقدمته كارلا حداد ليس جواً توعوياً ولا مشاكساً او مناصراً لقضايا النساء كما يوحي به الإسم. هو فقط صورة لنساء تتحضر لضيفها الرجل بأفضل ترتيب وأحلى مقام.
هذا التغيير في نمطية البرنامج هو الذي يصنع خصوصيته يبدأ مع الفرقة الموسيقية وينتهي معها ، فقلما رأينا عازفة درامز أو عازفة غيتار أو طبلة أو أورغ وصولاً الى المغنية ريتا سليمان مروراً بالحضور الأنثوي الشامل، ليصب السيل عند كارلا التي تستلم دفة الحوار مع ضيفها الرجل الخارج عن نطاق هذه العصبية النسائية وعليه أن يفك شرانق هذا اللقاء المتّصف بكلّ ما يخصّ المرأة، من علاقته بها إلى حبّه إلى رأيه بها وقد يصل الحوار الى أماكن مربكة أحياناً ومحرجة أحياناً أخرى بالرغم من سطحيّته. لكن هذه السّطحيّة هي التي يتّكئ عليها جو البرنامج وتجعل منه مغايراً.
اجتازت كارلا هذا الامتحان بالكثير من العناية والدقة. فهي ليست مبتذلة ولا حيادية لكنها مشاغبة بحرفية مدروسة. تعرف كيف تطرح سؤالها المحرج بكثير من الرقة والعفوية والمرح المقبول دون إسفاف أو مبالغة. تدرس جيداً كلامها وتعرف كيف تحرّك ضيفها بعناية وتسيطر على جرعة المكاشفة دون أن تقع في هوّة العيب.
هذا التّوازن في الحوار الخفيف الرشيق البعيد عن كل البعد عن جرعات النزق أو الفضائح أو التَنمر أو التَحدي هو الذي جعل من كارلا محاورة ذكية تحمل لواء الصرعة المهضومة . تعرف كيف تجرّ أذيال الكلام أمام الكاميرا دون أن تخدش ودون أن تبالغ. ممسكة بخيط رفيع في الحوار تشدّه نحو الجاذبية وترخيه عندما يكون الجواب مقبولاً ويلائم الجو العام.
سلاح كارلا في المنافسة حاضر في صلبها. فهي في برنامج أخذ الكثير من الرَد والمحاربة، لكنّ النجاح حصل بالرغم من كل ذلك. ليس مهماً ما نطرح من أسئلة بل كيف نطرح هذه الأسئلة. ولا سؤال جديد بل هناك طريقة جديدة وطريقة كارلا فريدة من نوعها.
نجاح كارلا يقع في خانتين، بين التمرّس الاعلامي الذي عمره أكثر من 20 عاماً أمضتها بين برامج “كارلا لالا” و “يا ليل يا عين ” و “منع في لبنان” و “حلوة ومرة ” و “الرقص مع النجوم” وبرامج أخرى عديدة ، وبين أعمال مسرحية كوميدية. كل هذا أعطاها النضج الكافي للتعامل مع الشاشة على أنها مسؤولية واختبرت منذ البدايات كيف تروّج للابتسامة دون أن تقع في ثقل الدم والخفة وكيف تقيم حواراً قوامه التسلية والإفادة معاً.
في male برنامج جاء في وقته. في حين أن كل الشاشات تضجّ بالبرامج السّياسيّة والحواريّة التي تحكي عن حال البلد الذي يعمّه الشلل والفساد والانهيار والناس تحتاج الى بعض البعد أو النسيان لكل هذا الجو المقيت ، تأتيك مذيعة محترفة جميلة مع موسيقيات عازفات ينشرون بعض التفاؤل والفرح ويستضفن شخصيات في السياسية والفن والتمثيل والاعلام بأسلوب جديد ومرح وجذاب وخفيف قادر أن يغسل هماً ويبدد سأماً.
في زمن الإعلام اللاهث نحو الرايتينغ وزمن تعليم التلامذة من البيت وزمن اختفاء الصحف ودور النشر وزمن صارت الثقافة كوبي بايست. هذا الزمن نفسه بات يعتبر السخف نبوغاً والإسفاف عبقرية في حين أن الحقيقة تقول غير ذلك وأن الموهوب لا يسف وإن أراد وكارلا موهوبة… وموهوبو+ الشاشات قلائل حتى ولو وصلوا جبال الراتينيغ العالية. ويبقى على أي مذيع أو مذيعة أن يقوي عضلاته الفكرية ويترك أثراً ايجابياً. وأفضلهم من يحمل الضوء لمن يريد الهداية.
كمال طنوس