بعد أكثر من 100 يوم على انفجار المرفأ.. أين أصبحت التحقيقات ومن يتابع ملف الضحايا؟
تشكيل لجنة باسم "عوائل شهداء انفجار المرفأ" هدفها الضغط على المعنيين لكشف الحقائق وضمان حقوق المتضررين
مرّ أكثر من ثلاثة أشهر على وقوع انفجار الرابع من آب، أو ما يمكن تسميته بـ”زلزال بيروت”، مدينة الشرايين الحيويّة لجسد لبنان المُثقل بالفساد والإهمال والمحاصصات. ما يُقارب المئة يوم مرّوا أمام أعين اللبنانيين وهم ينتظرون نتائج التحقيقات، آملين إنصافهم ولو لمرّة، كشعبٍ ذاق ما ذاقه من رعب وحرمان وفَقد وانعدام للإحساس بالأمن والأمان.
بعد وقوع الإنفجار، وعدت الدولة اللبنانية أبناءها بإصدار نتائج التحقيقات وكشف المتورطين في غضون 5 أيام فقط، إلا أن الأيام الخمسة أصبحت مئة وأكثر، دون الحصول على أي جواب يشفي غليل أهالي الضحايا وكل من فقد عزيزًا وقريبًا في هذه الجريمة.
وفي ظل التقصير الحاصل من قبل الدولة، ارتأى أهالي الضحايا التكاتف وتشكيل لجنة لمتابعة التحقيق، حملت اسم لجنة “عوائل شهداء انفجار المرفأ”، حيث شدّدوا على أن تكون هذه اللجنة مجرّدة من أي تدخلات، كي تحافظ على هدفها الأساسي وتقطع الطريق أمام أي عملية “تسييس أو تمييع أو ضغوطات أو تسويات سياسيّة” لآرائها ومقرّراتها وخططها اللاحقة، كما بات يحدث في معظم القضايا اللبنانية.
تحركات اللجنة وأهدافها
الناطق الرسمي باسم لجنة أهالي الضحايا، ابراهيم حطيط، وهو الأخ الأكبر لشهيد الدفاع المدني في مرفأ بيروت، ثروت حطيط، قال في حديث لـ”أحوال” إن اللجنة قامت حتى اليوم بالعديد من التحركات لتحقيق أهدافها، موضحًا أن أبرز هذه الأهداف تتمثّل بالتحقيق العادل والشفّاف بعيدًا عن الضغوطات، وبمعاقبة المتورطين وإنزال القصاص بالرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة، مع التشديد على ضرورة مساواة شهداء تفجير المرفأ بشهداء الجيش اللّبناني لناحية الحقوق، بما يتعلّق بالرواتب الشهريّة والضمان الصحّي، وكذلك مساواة جرحى التفجير المصابين بإعاقات دائمة أو شبه دائمة، بجرحى الجيش.
أما في ما يتعلّق بالتحركات، فالتحرك الأول بحسب حطيط، كان بتاريخ 19-09-2020، حيث تم تنظيم وقفة رمزيّة أمام “البوّابة رقم 3″، على مقربة من العنبر رقم 12، في مرفأ بيروت، ليتبعه تحركًا آخر بتاريخ 28-09-2020، قام خلاله أهالي شهداء المرفأ بقطع الطريق في محيط جريدة “النهار” وسط بيروت، تلخّص في دقيقتين على وقع “النشيد الوطني اللبناني”، تتجدّد عند مرور عشر دقائق، لمرّات متتالية.
التحرّك الثالث، تابع حطيط، كان أمام شركة Touch مقابل تمثال المغترب المواجه لموقع الانفجار، حيث وجّه أهالي الضحايا رسالة للرؤوساء الثلاثة يطالبونهم من خلالها بالموافقة على مطالب اللّجنة – المذكورة أعلاه – عبر الإعلام، لكنّ “فخامتهم ودولتهم” تنصّلوا من أيّة مسؤوليّة بالمتابعة، مؤكّدين أن التحقيق يتابعه القاضي فادي صوّان، فطلبت اللجنة إثر ذلك لقاء صوان الذي لم يتردّد بتلبية الدعوة، فالتقى أهالي ضحايا المرفأ وأكد لهم عدم الرضوخ لأي ضغوطات، متحفظًا بالمقابل على الكثير من المعلومات، احترامًا لسريّة التحقيقات.
من هنا، أشار حطيط في حديثه لموقعنا إلى أن اللّجنة تطرح ضمن هذا السياق، إشكاليّة وجود قاضي تحقيق واحد، دون مساعد، مع مستكتبَين اثنين فقط، علمًا أنه في فرنسا مثلًا، تم توكيل قاضي تحقيق ومعه مساعد وعشرة مستكتبين، في قضيّة حول ستّة شهداء، في حين أن قضيّة بحجم انفجار المرفأ، أودت بحياة المئات، لا يستنفر القضاء للبت فيها ولا يتم توظيف إمكانيّات بحجمها، عكس قضايا أخرى صُرفت عليها ملايين الدولارات في سبيل التحقيق فيها ومعرفة تفاصيلها.
لا استثناءات!
من جهة أخرى، لم تكتفِ اللّجنة بالتحرّكات المذكورة أعلاه، ولم تستثنِ الرؤوساء الثلاثة، إذ تقدّمت بتاريخ 19-10-2020 إلى رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، من خلال التواصل مع مكتبه، بمشروع قانون هدفه مساواة شهداء انفجار المرفأ بشهداء الجيش، كما جرت لقاءات مباشرة في 16-10-2020 مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، وفي 19-10-2020 مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، حيث وقّع كلّ منهم المرسوم، وهو قرار ينتظر الجلسة الأولى لمجلس النوّاب للتصويت عليه بالموافقة، “لكنّ الأهالي يرفضون أن تطول مدّة انتظارهم للجلسة طويلًا”، وفقًا لحطيط، باعتبار أن الخلافات على تشكيل الحكومة قد تمتدّ لأشهر، وتضيّع بالتالي على الأهالي حقوقهم.
وفي هذا الخصوص، أفاد حطيط أن الرئيس بري أكد خلال اللقاء أن ثمّة نيّة جديّة لتشكيل الحكومة، وأنه بعد إعطائها الثقة سيتم عقد جلسة استثنائيّة لإقرار القانون في مجلس النواب، “وفي حال تأخّر تشكيل الحكومة، سيتم تمرير القانون “خط عسكري”، بحسب تعبيره.
وبالإضافة إلى مشروع قانون مساواة شهداء وجرحى المرفأ بشهداء وجرحى الجيش اللبناني، لناحية الحقوق، أشار حطيط إلى أن اللجنة تقدّمت للرؤوساء الثلاثة بمسودة مشروع قانون، يقضي بحصول أهالي الشهداء على “صندوق تعاضد”، يمنحهم واحد بالألف من إيرادات المرفأ، أسوة بصندوق التعاضد الخاص بالقضاة، لافتًا إلى أن مشروع القانون هذا هو الآن قيد الإعداد من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء، القاضي محمود مكيّة، وسيتم عرضه بعد إنجازه على المجلس التشريعي – كما وعد الرئيس برّي – لدراسته والموافقة عليه.
هذا ويؤكد الناطق باسم اللجنة، أنّهم على تواصل مع مجموعة من المحامين وكتّاب العدل، المتطوعين من خلال نقابتهم للتعاون مع الأهالي ومساندتهم قانونيًّا في مسيرتهم.
خليّة الأزمة في الكارنتينا
في المقابل، أكد مسؤول “خليّة الأزمة” في الكارنتينا التابعة لنقابة المحامين في بيروت، جلبير أبي عبود، في حديث لـ”أحوال” أنَّ النقابة وبهمّة نقيبها الدكتور ملحم خلف وأعضاء خليّة الأزمة المركزيّة، أنشأت بعد الإنفجار الكارثيّ خليّة طوارئ لمُلاحقة وتعقّب تبعات الأزمة، حيث ضمّت سبع خلايا متوزعة على أكثر من منطقة في العاصمة “المنكوبة” بيروت، لافتًا إلى أن النقابة كانت ولا تزال تحرص على مُساندة أهالي الضحايا والمُتضرّرين جسديًّا وماديًّا، في تقديم الشكاوى أمام القضاء المُختصّ، بهدف بلوغ العدالة المرجوّة منعاً من اغتيالهم مرّةً ثانية، إلى جانب التنسيق بين نقابة المحامين وكتّاب العدل، لتكون الوكالات المُنظّمة من أهالي الضحايا والمُتضرّرين معفيّة من الرسوم الماليّة، كما أنشأت النقابة مكتبًا مُتخصّصاً للدفاع عن الضحايا والمُتضرّرين ومواكبة الشكاوى أمام المحقّق العدلي والمجلس العدلي لاحقاً، من خلال صياغة الشكاوى والمذكّرات والتحضير للمرافعات، فضلاً عن مواكبة التحقيق الفنيّ.
وفي نهاية حديثه، أكّد أبي عبود لموقعنا أنَّ “نقابة المحامين سوف تستمرّ ببذل الجهود الحثيثة والجبّارة للدفع قُدُماً نحو التسريع بإجراءات التحقيق وإحقاق العدالة”، رغم أنّه يرى أن “مصداقيّة القضاء هي اليوم على المحكّ”، طالبًا من المحقّق العدلي صوّان عدم الإكتفاء بملاحقة وتوقيف صغار الضبّاط والمسؤولين الإداريّين في المرفأ، بل استدعاء كبار المسؤولين، سيّما الوزراء المُختصّين، ورؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على سدّة المسؤوليّة، أثناء تخزين هذه الكميّة الهائلة من النيترات المتفجّرة ضمن حرم المرفأ بصفة مدّعى عليهم، وإحالة من تستوجب ملاحقتهم أمام المجلس العدليّ بهذه الصفة، سيّما أنّ الجرم الجلل الذي دمّر نصف العاصمة بيروت، وأودى بحياة أكثر من ٢٠٠ ضحيّة، فضلاً عن المفقودين وآلاف المُصابين جسديّاً، هو “جرم قصديّ” وليس مُجرّد إهمال وظيفيّ، وهو بالتالي لا يخضع لولاية نصّ المادة ٧٠ من الدستور اللبناني التي تتحدّث عن الحصانات وأصول الملاحقة الخاصّة للوزراء ورؤساء الحكومات أمام القضاء، بحسب أبي عبود.
المفكّرة القانونيّة
للمفكرة القانونيّة موقف مساند أيضًا، إذ تطوّعت لتقديم الدعم بما تيسّر لها من إمكانيّات. وفي هذا الخصوص، قالت العضو في المفكّرة القانونيّة، والمحاميّة بالاستئناف يمنى مخلوف لـ”أحوال”: “نعمل بشكل جديّ من أجل الوقوف إلى جانب لجنة أهالي الضحايا ودعمها، عبر تأمين التغطية الإعلاميّة وإعداد التحقيقات الصحفيّة من جهة، وعبر تقديم الاستشارات القانونيّة المتعلّقة بحقوقهم وبكيفيّة تحقيقها من جهة أخرى، إضافةً إلى إعداد دليل قانوني خاص بالضحايا والمتضرّرين، نقدّم فيها قراءة قانونيّة لآليّة “التعويض”.
المفكّرة، وبحسب مخلوف، “تعمل إلى جانب لجنة أهالي الضحايا على مأسسة هذا العمل النضالي، كون المشكلة لن تقتصر على فترة محدّدة. لذا لا بد من خلق تجمّعات بصورة قانونيّة، تمنحهم صفة شرعيّة”، مشيرة إلى أنه سيتم تأسيس جمعيّة هدفها الدفاع عن حقوق المتضرّرين من هذا الانفجار الضخم، وعليه ستكون هذه الجمعيّة مرجعًا للضحايا، للمتابعة والضغط والتأثير على السياسات العامّة، كما أنها ستشمل لجنة أهالي الضحايا التي أخذت على عاتقها متابعة ملف الجرحى، ولجنة لأهالي المناطق المتضرّرة.
الأستاذة في المفكّرة القانونيّة أكدت لموقعنا استمراريّة العمل على متابعة مجريات التحقيق، وحق الوصول إلى المعلومات، إذ “ثمّة معايير غير واضحة في هذا المجال، وعلى المشرّع أن يجد آليّة تربط بين وزارة العدل وقاضي التحقيق، وبينهم وبين أهالي الضحايا، كون القضيّة استثنائيّة”.
إذًا، اللجنة بانتظار تنفيذ الوعود التي قطعها المعنيّون، كما أنّها ستتابع عن كثب نتائج التحقيقات ومسارها، حيث ترفض التوقيفات الهشّة التي تطيح بصغار المتورّطين كـ”كبش محرقة”، دون كبارهم. هذا ولن تسمح بأيّ تلكّؤ في ملفٍّ يلامس “لحمهم ودمهم”، واعدة بتحرّكات موجعة، قد تشمل جميع الأراضي اللبنانيّة، بمساندة المتضامنين وتعويلًا على عدد الضحايا المنتشر على كامل الأراضي لبنان.
تيمة حطيط