منوعات

أين المبادرة الفرنسية اليوم وهل نحن أمام “طائف” جديد؟

قُدّر للبنان، أول وآخر بلد فرنكوفوني في المنطقة، أن تنقلب نعمته نقمة عليه بسبب حكامه؛ وبدل أن يستفيد من موقعه الاستراتيجي الجاذب للأموال والاستثمارات، يعيش اليوم في صدمة الانهيار الكارثي، بعدما تزعزت ثقة العالم بنظامه المالي والمصرفي المهترئين. وفيما تدخل المبادرة الفرنسية التي انتظرها اللبنانيون في مرحلة إنعاش، يؤكد مطّلعون على الملف الفرنسي أنّها لم تمت، بل مستمرة وقد تتخذ شكلاً جديداً لإنقاذ لبنان.

فعلاقة فرنسا بلبنان تاريخية؛ وهي علاقة “قوة ومتانة” كما يصفها دبلوماسيون فرنسيون. 

وفيما لا وقت معيّن لمعاودة المبادرة الفرنسية عملها، يؤكّد متابعون أنّ فرنسا لن تترك لبنان، فهو رأس الحربة للقافلة الفرنكوفونية خاصة بعد انفجار المرفأ، بظلّ تنازع مع تركيا في شرقي البحر المتوسط. فالمرفأ هو رأس الترانزيت إلى الخليج العربي؛ من هنا، لن تتوانى فرنسا عن استعادة دورها الأساسي في لبنان.

إذن، أين هي المبادرة اليوم؟ وما الجديد على الساحة اللبنانية الفرنسية؟ وماذا عن الاتفاق الجديد الذي تحضرّه فرنسا والذي يشبّهه المحلّلون باتفاق الطائف؟

عقبات وعراقيل داخلية

المبادرات الفرنسية لمساعدة لبنان ليست بجديدة، بل تعود إلى ما قبل انفجار بيروت وانهيار النظام المصرفي، من خلال مؤتمر باريس 1 و2 واتفاق سادر.

وفي هذا الإطار، لفت تمام نور الدين، الخبير في الشؤون الفرنسية والأوروبية أنّ المبادرة اليوم تراوح مكانها، لكنها مستمرة؛ فيما ساهمت عدة عقبات في عرقلتها، وعلى رأسها العقوبات الأميركية. وقال لـ “أحوال”، على عكس ما يعتقده الجميع أنّ لبنان في العناية الفائقة، ترى فرنسا أنّه يمكن إنقاذه.

ويعتبر أنّ المبادرة الفرنسية تعرّضت لعرقلات أخرى، منها تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، في تغريدته حول وزير الخارجية الفرنسية، في أغسطس / آب الماضي، قبل أن يعود ويمسح التغريدة التي وُصفت حينها أنّها ضد الخطوات الفرنسية. وكان قد جاء بالتغريدة:

“حسان دياب للوزراء: زيارة وزير الخارجية الفرنسي لم تحمل معها أي جديد؛ لديه نقص في المعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية، وربطه أي مساعدة للبنان بالإصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد.”

ويتابع الخبير في الشؤون الفرنسية والأوروبية أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية للبنان، اجتمع مع السياسيين اللبنانيين في قصر الصنوبر، وتم قطع العهود فيما بينهم على تشكيل حكومة “المَهمة”؛ معتبراً أنّ ماكرون أتى للإلتفاف حول الفيتو الأميركي على حزب الله، وحاول تمهيد الطريق “لإنقاذ لبنان من خلال حكومة لا تتضمن منتسبين لحزب الله، معتمداً معايبر التخصّص على أساس المداورة بين الوزراء. ثم، أتى إصرار الثنائي الشيعي على حقيبة المال، والعقوبات الأميركية، “فطارت أول محاولة لتشكيل الحكومة.”

ويلفت نور الدين، إلى انقسام فرنسي كان يدور في قصر الإليزيه بين فريق عمل ماكرون حول عودة الحريري لتشكيل الحكومة، إذ اعتبر البعض بأنّ سعد الحريري “غير شعبي” وفشل خلال أداء دوره في السلطة؛ فيما نظر البعض الآخر له كابن رفيق الحريري وصديق فرنسا، وقرّروا حينها أنّ الوضع اللبناني يفترض وجود هكذا شخصية سنيّة لرئاسة الوزارة؛ فيما كانت وجهة النظر المائلة إلى تكليف الحريري ترى أنه يستطيع قيادة السنة، فحسم ماكرون أمره لصالحه.

برأي نور الدين، ذهب ماكرون في مبادرته بعيداً من أجل مساعدة لبنان، إذ وضع سلاح حزب الله خارج طاولة الحوار، معتقداً أنّه بمجيء الحريري ووجود عون كصديقين لفرنسا، يمكن تشكيل حكومة.

ويشير نور الدين إلى أنّه فيما يبدو ظاهر الخلاف حول تشكيل الحكومة هو اختلاف الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، فإنّ الباطن أعمق من ذلك بكثير، لافتاً إلى أنّه خلال الزيارة الأخيرة للموفد فرنسي، تم تنسيق إتصال بين باسيل والحريري.

وأشار إلى أنّ المشكلة  بالنسبة للفرنسيين تكمن في النظام الموجود_ هذا العقد الموجود لا يتماشى مع التطوّرات الحالية سيّما في عامي 2020-2021؛ بالإضافة إلى مشكلة الفساد المتجذّر في المؤسسات الرسمية، سيّما مناقصة الكهرباء، والنظام المصرفي، لافتاً إلى ما يراه الفرنسيون في لبنان من دولة مهترئة “أدّت لتكوين دولة داخل الدولة”.

إلى حين استلام بايدن

وأكد الخبير في الشؤون الفرنسية والأوروبية أنّ المبادرة الفرنسية مستمرة، ولكنها تراوح مكانها وقد تتخذ شكلاً جديداً، بانتظار تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بادين الحكم، لافتاً إلى أنّ رئيس الحكومة المكلّف “يحاول تضييع الوقت” بانتظار ذلك، على أمل نيل الرضا السعودي إلى حينه.

الدكتور وليد عربيد، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، والأستاذ المحاضر في الجامعات الفرنسية قال إنّ المبادرة الفرنسية اليوم في حالة إنعاش. وأشار في حديث لـ “أحوال” عن عدة عراقيل تواجهها، لافتاً إلى الأزمات التي يتخبّط بها لبنان، منها المالية، والصحية؛ مشيراً إلى أنّ المبادرة على قدم وساق، وآخر الخطوات حصلت خلال زيارة الحريري الأخيرة إلى باريس، حيث حاولت فرنسا أن تدفعه إلى ضرورة حلحلة الأمور مع الرئيس عون.

ولفت عربيد إلى أنّ أزمة لبنان السياسية والخانقة ترتبط بالعامل الداخلي، والعامل الإقليمي، والعامل الدولي؛ فيما الجميع بانتظار تسلّم بايدن للسلطة، إذ حينها سيتم تسليم الملف اللبناني لفرنسا التي  تسعى إلى إعادة لبنان إلى الحظيرة الدولية والغرب تحديداً. لذلك، “نؤكد أنّ المبادرة الفرنسية لم تمت، ولكنها تحتاج إلى إنعاش، وجرعات دواء من لبنان وأوروبا للنهوض بالبلاد”.

اتفاق طائف  “فرنسي” جديد؟

في المقابل، يرى نور الدين أنّ المنخرطون في تشكيل الحكومة، يأملون أن يخفّ الإحتقان الإيراني_ الأميركي بمجرد استلام بايدن، إذ تعتقد باريس أنّه يمكن انتاج حكومة يتمثل فيها بشكل أو باخر حزب الله، ثم يذهبون إلى اتفاق طائف جديد في فرنسا، تكون هي الراعي له. وتابع، فرنسا تعتقد أنّ حكومة محاكمة الفساد صعبة، فالركائز الأربع التي يقوم عليها لبنان مهترئة (المرفأ، النظام المصرفي، قطاع التعليم، والقطاع الطبي). لذا، يرى ماكرون ضرورة للتحرّك تحو اتفاق عقد جديد يحظى بمباركة دول الخليج والفاتيكان.

فرنسا: مطلوب دم جديد في لبنان

تحاول فرنسا_ رغم العراقيل_ أن تقدّم للبنان مبادرة سياسية اجتماعية واقتصادية. فوزير الخارجية الفرنسية دائماً ينعش ذاكرة اللبنانيين، “إذا لم نتجه إلى اصلاح سياسي كقاعدة أساسية للمبادرة، سينتهي دور لبنان في الشرق الاوسط”.

ومنذ تأسيس الكيان اللبناني منذ مئة سنة، تؤكد فرنسا على الاستقرار والسيادة اللبنانية، لذا أتى ماكرون مرتين إلى لبنان، وحسم الأمر بضرورة الاتجاه في مساعدة فرنسا لإنقاذ لبنان.

وفي ما يتعلّق بالأطراف اللبنانية  المتنازعة، يرى عربيد أنّ فرنسا أشارت إلى أن المبادرة الفرنسية بحاجة إلى دم جديد يضخ في جسم الوطن. “إلاّ انّه لا تزال المحاصصة الطائفية مسيطرة، وآخرها محاصصة جبران باسيل- الحريري- نبيه بري- جنبلاط”؛ ولفت إلى ضرورة الشروع في تأسيس الجمهورية الثالثة، للوصول إلى نظام سياسي جديد في البلد، مستدركاً صعوبة تحقيق ذلك في ظلّ العراقيل.

ودعا عربيد إلى ضرورة فكّ الارتباط بين لبنان والمناطق المحيطة. “نحن على حافة نزاع دولي في منطقة الشرق الأوسط، وسينعكس ذلك سلباً على النظام السياسي في لبنان. وفرنسا تعي هذه المشاكل؛ لذا، في حال أخذت الضوء الأخضر لإعادة طرح مبادرتها، يمكن أن نصل إلى الإنفراج.”

المبادرة الأميركية

وعن المبادرة الأميركية بعد خروج ترامب من الحكم، يعتبر عربيد أنّ أميركا سحبت لبنان من ملف السياسة الخارجية؛ فما يهمها اليوم هو العودة إلى الاتحاد الأوروبي، وفتح الحوار مع الصين، خاصة الحوار الاقتصادي. إذن، لبنان لن يكون مطروحاً على أجندة بايدن. “بل هو مجرّد ورقة في الملف الأميركي الكبير”.

 العقوبات الفرنسية

وفيما يتعلّق بالعقوبات الفرنسية والضغوطات التي تحدثت عنها فرنسا سابقاً، اعتبر عربيد أنّ فرنسا “انصدمت بحلفائها في لبنان ( جعجع، حريري، جنبلاط، وعون)؛ لافتاً إلى تغيير حاصل في السياسة الداخلية، سيّما على صعيد المارونية السياسية التي تحاول استعادة قوتها بعد فقدانها في اتفاق الطائف، حيث أُعطيت حينها السنيّة السياسية الدور الأساسي في لبنان.

وعن تكليف الحريري تشكيل حكومة اختصاصيين، فيما هو ليس باختصاصي، قال عربيد إنّ فرنسا تعي ذلك، لكن ما يهمها هو وضع “المدماك الأول في الوصول لوقف الأزمة الاجتماعية والمالية وتحاول أن تنتقل رويداً فرويداً إلى الحل”ّ.

واعتبر عربيد أنّ فرنسا تحاول أن تستعيد دورها بلبنان، خاصة بعد انفجار المرفأ؛ وهي تسعى ضمن استراتيجياتها الخارجية وتحالفها مع اليونان وقبرص بمواجهة تركيا، أن لا تنسى مرفأ لبنان؛ لافتاً إلى مصالحها في لبنان وكيف تنظر له كرأس حربة، مؤكداً أنّ أميركا ستسمح أن يكون لفرنسا وأوروبا دوراً في الشرق الأوسط.

لطيفة الحسنية

لطيفة الحسنية

صحافية متخصصة في الإعلام الرقمي. أطلقت حملة لمكافحة الإبتزاز الالكتروني عام 2019، تناولت تدريب الضحايا على كيفية التخلّص ومواجهة جرم الابتزاز تضمنت 300 حالة حتى تموز 2020. عملت كمسؤولة إعلامية في منظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى