مجتمع

فلتان طرابلس الأمني: ساحة صراعات وأجواء إنتخابية

دبّ الهلع والخوف في نفوس أهالي طرابلس مساء أول من أمس، وتحديداً القاطنين في أحياء باب التبّانة والقبّة والمنكوبين ذات الطابع الشّعبي، وجوارهم في أحياء المدينة القديمة، بعد انفجار 3 قنابل يدوية فيها، سُمع دوّيها في أرجاء المدينة، ترافقت وأعقبها إطلاق نار كثيف من أسلحة حربية، قبل أن يعود الهدوء الحذر ليخيّم على المدينة مع ساعات الصباح الأولى.

وحسب معلومات أمنية حصل عليها “أحوال” من مصادر مطلعة، تبيّن أنّ مجهولين كانوا يستقلون درّاجات نارية، تنقلوا بين هذه المناطق ليلاً التي كان يعمّها ظلام دامس نتيجة إنقطاع التيّار الكهربائي وتوقّف مولدات كهرباء الإشتراك الخاصّة عن العمل بعد منتصف الليل، ما يجعل شوارع هذه الأحياء تبدو وكأنّها مناطق أشباح، حيث قاموا برمي القنابل وإطلاق النّار في الهواء في شارع سوريا الفاصل بين منطقتي باب التبّانة وجبل محسن ويتواروا عن الأنظار، قبل أن يتحرّك الجيش اللبناني والقوى الأمنية ويضربوا طوقاً أمنياً في هذه المناطق ويباشروا التحريّات.

هذا المشهد لا يعد إستثناءً في المدينة، بل أصبح خلال الأيّام الأخيرة مشهداً عادياً ومتكرّراً تعيشه طرابلس كلّ يوم تقريباً، تحديداً في ساعات الليل، ولم يخفف منه قبض الجيش والأجهزة الأمنية على متورّطين بهكذا أعمال، ما دفع أهالي عاصمة الشّمال، الذين يؤكّدون بشكل شبه دائم رفضهم الأمن الذاتي، إلى دعوة الجيش اللبناني والقوى الأمنية وشرطة البلدية لتسيير دوريات أمنية لا تستثني أيّ منطقة، وفي وضع حدّ لهذا التفلّت الأمني، والتسيّب الذي أدى إلى ارتفاع معدل السّرقات بشكل مقلق، وفق تأكيد مصادر أمنية، ووقوع إشكالات لأيّ سبب.

وإذا كان البعض ردّ أجواء الفلتان الأمني الذي تعيشه طرابلس إلى تفشّي الفقر فيها على نطاق واسع، وفق تأكيد أغلب الإحصاءات وآخرها إحصاء أجرته وزارة الشّؤون الإجتماعية التي أفادت أنّ نحو 70 في المئة من سكّان طرابلس هم فقراء، وأنّ نصف هؤلاء يعيش تحت خط الفقر، وهو أمر ترجم يوم أول من أمس في وقوع إشكال وتلاسن رافقه إطلاق نار في منطقة باب الرمل الشّعبية على خلفية توزيع ربطات خبز فيها على الفقراء، فإنّ التسيّب الأمني في طرابلس ليس الفقر سببه الرئيسي والوحيد.

روايات كثيرة يقصّها مواطنون حول من يقومون بهذه الأفعال. بعض هؤلاء هم من متعاطي حبوب التهدئة المخدرة الذين يقدمون على هكذا أعمال بلا إدراك ووعي منهم. وقسم ممّن يلقون القنابل ويطلقون الرصاص ليسوا فقراء.

ويسأل كثيرون: “كيف لفقير يقول إنّه لا يملك ثمن ربطة خبز، ولا قوت يومه ولا قوت عياله أن يرمي قنبلة سعرها بين 40 ـ 50 دولاراً، أو يُطلق النّار بينما سعر الطلقة لا يقلّ عن 30 ألف ليرة؟”.

تؤكّد مصادر أمنية في هذا الصدد أنّ “أعمال التسيّب الأمني هذه ليست بريئة، بل هي أعمال يجري تحضيرها بشكل مسبق من قبل جهات لطالما اعتبرت طرابلس “ساحة” لصراعاتها، و”صندوق بريد” يتبادلون فيه الرسائل الأمنية المتفجّرة، خصوصاً أنّها منطقة أمنية “رخوة” يسهل التلاعب فيها بسهولة، فضلاً عن ضعف المرجعيات السّياسية فيها، والتي يمكنها كما بقية المناطق، تأمين مظلّة حماية فوقها”.

هل هذا الفلتان الأمني في طرابلس له علاقة بالإنتخابات النّيابية المقبلة؟

لا تنفي المصادر الأمنية وجود علاقة ما، وتوضح أنّ “أي إنتخابات سابقة كانت تشهد أعمال فوضى وشغب مخلّة بالأمن من قبل جهات متضرّرة من الإنتخابات، بشكل أو بآخر، والإنتخابات المقبلة لن تخرج عن هذا السياق”.

لكنّ حجم الإستياء في طرابلس ممّا تشهده من تدهور في الوضع الأمني يكبر يومياً، ويُعبّر عنه من خلال صبّ شرائح واسعة من المواطنين جام غضبهم ونقمتهم على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الداخلية بسام مولوي، لأنّ الإثنين من طرابلس، و”لا يوليان الأمن بالمدينة الإهتمام المطلوب”، وفق كثيرين، وأيضاً الأجهزة الأمنية التي يتهمها كثيرون بـ”التقاعس”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى