مجتمع

مهندس لبناني يبتكر شريحة بيولوجية تمهّد للاستغناء عن “تجارب الحيوانات المخبرية”

بعد حصوله على جوائز عالمية.. المهندس "وضّاح ملاعب" يعمل على تطوير شريحة "حيوية" لمساعدة العلماء على اختبار العلاجات على الأنسجة البشرية

في جعبة الشاب العشريني، المهندس وضّاح ملاعب، ابن بلدة بيصور في قضاء عاليه، جوائز عدة وأكثر من براءة اختراع مكّنته من الإنضمام لبرنامج عربي – عالمي لترشيحات متقدّمة، قد تمنحه لاحقًا فرصة متابعة أبحاثه وتحقيق طموحه في التوصّل إلى تطوير شريحة “حيوية” لمساعدة العلماء على اختبار العلاجات المختلفة على الأنسجة والخلايا البشرية الطبيعية والمريضة، في وقت أقصر وبجودة أكبر وجهد أقل، وبالتالي الإستغناء عن التجارب عبر الحيوانات المخبرية، خصوصًا أن هذا الأمر لا يزال حتى يومنا هذا يطرح العديد من الإشكاليات الأخلاقية والإنسانية، فضلًا عن مناهضة العديد من المنظمات العالمية له.

موقع “أحوال ميديا” التقى الشاب وضّاح ملاعب، الذي درس الهندسة الميكانيكية في مرحلتَي البكالوريوس والماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت، في حين تمحورت رسالة الماجستير حول “التكنولوجيا الحيوية” أو ما يُعرف بالـBiotechnology، وهو علم مستقبلي واعد ومتقدّم، يقوم على استخدام العمليات البيولوجية في الأنسجة والخلايا والجينات للأغراض الصناعية وإنتاج الأدوية واللقاحات وغيرها، لافتًا إلى أن الجامعة وفّرت له الفرصة للقيام بأبحاث خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومكّنته من ابتكار الشريحة التي يمكن أن تنمو بداخلها خلايا الإنسان المختلفة، ببُعد ثلاثي 3D بهدف استخدامها في عدة مجالات.

المرحلة الجامعية

أما عن مسيرته العلمية، فلفت ملاعب إلى أن اتجاهاته في العلم والتعلّم لم تكن تقليدية، إذ كان يهتم ويناقش التفاصيل ولا يقتنع بحلول سهلة، بحسب قوله، بل يتابع البحث وكلّما تعمّق أكثر وجد نفسه بحاجة للمعرفة أكثر، مضيفًا: “وعلى هذا المبدأ تابعت وبنيت عليه تجاربي والمراحل المختلفة في حياتي، فبالنسبة لي كانت المرحلة الجامعية فرصة أخرى لاستكشاف الذات، بدلًا من اختيار خاطئ قد أكتشفه بعد سنوات طويلة لاحقًا”، مشيرًا إلى أنه قام بتغيير اختصاصه الجامعي عدة مرات، لينهي نتيجة ذلك دراسته في مجال الهندسة الميكانيكية وتخصّصين جانبيين في الرياضيات والهندسة الطبية، في خمس سنوات ونصف، بدل أربع سنوات.

من هنا، لفت ملاعب إلى أن الهندسة الميكانيكية لم تكن نهاية الطريق بالنسبة له، إلا أنه بالمقابل يعتبر أن هذا التخصص هو بمثابة “صندوق أدوات”، أعطاه المعرفة في مجال الميكانيك والتصميم، وفي علوم المواد وديناميكيات السوائل والديناميكا الحرارية والإلكترونيات والروبوتات، وكل ما يحتاجه لتحويل أي فكرة ونظرية إلى واقع مادي. وانطلاقًا ممّا ذُكر، قال ملاعب لموقعنا: “توجهت إلى مجالي من منظور الهندسة الميكانيكية، ما مكّنني من ابتكار هذه الشريحة التي تعني لي الكثير في مسيرتي المهنية، فضلًا عمّا يمكن أن أحققه من غايات أشمل وأوسع، فأنا لا أؤمن بالأحلام، بل بالهدف، وبالتالي أبقي على تركيزي لأصل إلى هدفي بالجهد والمثابرة”.

هندسة أنسجة الغضروف المفصلي

“نقطة التحوّل” في حياة ملاعب كانت عن طريق الصدفة، حيث كان يتجه للتخصّص في مجال “النفط والغاز” المنضوي تحت مجال الهندسة الميكانيكية، إلّا أنه وبسبب عدم توفّر الصفوف المطلوبة لهذا المجال، قام بتسجيل مواد عشوائية، كان من بينها مادة “هندسة الأنسجة”، حيث تعرّف خلال المحاضرة الأولى الى المبادئ الأساسية التي تساعد في هندسة أعضاء حية حقيقية من الخلايا الجذعية البشرية. ومن هنا، يقول ملاعب: “هذه المحاضرة غيّرت حياتي، وقررت أن أطوّر هذا الاختصاص وأتخذه كمهنة لي، فتحوّلتُ بموادي الإختيارية نحو الهندسة الطبية الحيوية والبيولوجية، وقررت متابعة تخصصين ثانويين في الهندسة الطبية الحيوية والرياضيات، بالإضافة إلى تخصصي في الهندسة الميكانيكية، كما قررت أن يكون مشروع التخرج في مجال هندسة الأنسجة، وتمحور حول هندسة مفاعل حيوي لهندسة أنسجة الغضروف المفصلي”.

ويتابع ملاعب: “عملت بشغف على هذا الموضوع، بقراءة كافة الدراسات ومراجعة كل تصميم آخر، ووجدت أن هناك حاجة لمفاعل حيوي Biological Reactor لهندسة الأنسجة، متخصص للغضروف المفصلي مع بعض الميزات المحدّدة، حيث يقوم المفاعل صناعيًا بإنماء الأنسجة، ويعمل على تحفيز الخلايا بطريقة تؤمّن نمو النسيج الغضروفي بخصائص مطابقة لخصائصه في جسم الإنسان”، مضيفًا: “لقد مهد هذا البحث وخلفيتي العلمية في رسالة الماجستير، الطريق ببساطة للتفكير في حلّ ودمجه في تصاميمي. وبعد المباحثات والإستشارات والتواصل مع زبائن محتملين، وجدت أن السوق يحتاج في الوقت الحاضر إلى أنسجة وخلايا على رقائق لتكون قادرة على دراسة وفهم الأداء البيولوجي لها في المختبر على نطاق صغير، وأن شركتي الناشئة الأولى CartilaGene قد تكون إحدى الخيارات، ربما بعد عقود في المستقبل، كونها تتطلب الوقت والتكاليف الباهظة وعدداً من الخطوات الإستباقية، لذا اتخذت خطوة التحول إلى العمل في مجال الأبحاث في سرطان الثدي على المستوى الخليوي والبيولوجيا الجزئية”.

جوائز عدة

أقدم ملاعب على العديد من المشاريع في مجال دراسته، لينال على أثرها جوائز كثيرة. أبرز تلك المشاريع كان مشروع organ-on-chip project ، حيث جاءت فكرته، وفقًا لملاعب، خلال عرض زميل له في برنامج الدكتوراة، لأغشية مسامية رقيقة جدًا اسمها Transwell membranes، حيث اعتمد في دراساته على الحسابات والمحاكاة الأساسية لقوة تلك الأغشية والقدرة على معالجتها، فتمكن من تصميم وصنع ثلاثة نماذج أولية.

هذا وقد طوّر ملاعب هذه الفكرة وطرحها كدراسة لنيل درجة الماجستير، كما تقدّم ببراءة اختراع عن مشروع organ-on-chip project ، فأسس لاحقًا شركة ناشئة حول هذه الشريحة DLOC Biosystem startup ففاز المشورع بجوائز عدة، هي:

الجائزة الأولى في LIRA Forum 2017
الجائزة الثانية بمسابقة دروزة للعام 2018 Darwazah Contest
الجائزة الثالثة في مسابقة MITEF 2019 لرواد الأعمال.
من هنا، تابع ملاعب قائلًا: “كنت بالتصفيات النصف نهائية في مسابقة GITEX 2019 لرواد الأعمال، والجائزة الأولى في Arab Entrepreneurship Rally 2019، وحاليًا أشارك في برنامج “نجوم العلوم ” Stars of Science TV show، في موسمه الـ12 في الدوحة في قطر”، لافتًا إلى أن عدد المتقدمين بلغ الآلاف، إلا أنه تم اختيار 22 ملفًا للمجلس العلمي، كان هو من ضمنهم، فنال استحسان لجنة الحكام، ليتم في المرحلة القادمة اختيار 8 مشاريع للتصفيات النهائية”.

نسيج مطابق لخلايا الجسم

وعن استخدامات هذه الشريحة، أشار ملاعب في حديث لموقعنا، إلى ثلاثة إستعمالات رئيسية:

أولًا: الباحثون في مجال علم الخلايا لدراسة الأنسجة والأمراض والخلايا والمحفزات البيولوجية وغيرها
ثانيًا: شركات الأدوية حيث تمكنهم الشريحة من زراعة الأنسجة والخلايا الطبيعية والمريضة
ثالثًا: الأطباء لوصف العلاج المناسب وبالجرعة المناسبة لكل شخص، أي علاج شخصي ودقيق precision and personalized treatment، وبذلك يمكن تجنّب الكثير من الآثار السلبية.

وانطلاقًا مما ذُكر، لفت ملاعب إلى أن أي برنامج علاجي لشخص قد لا يلائم الآخر، فالعملية تختصر الوقت والجهد والمال، وتمهد للاستغناء عن التجارب على الحيوانات المخبرية، بل المباشرة على خلايا من أنسجة أعضاء الجسم المختلفة، وفقًا لكل حالة.

وفي الختام، يأمل ملاعب من خلال انضمامه للبرنامج، أن يحقق 4 غايات هامة، وهي: التصميم المناسب لهذه الشريحة وبجودة كبيرة ليمنع أي شوائب، والتصنيع بتقنية عالية وكميات كافية تلبي الحاجات المطلوبة، والتجميع والتركيب للوصول إلى معالجة شاملة للشرائح بدقة وبصورة صناعية، خصوصًا أن معظم هذه الخطوات كانت يدوية، في حين أن المرحلة الرابعة والأخيرة هي الإختبار، وهي أمور تتطلب تمويلًا كافيًا فضلًا عن المختبرات المناسبة.

وعن التحديات، يرى ملاعب أن الغايات الأربع السابقة يجب أن تتم خلال فترة البرنامج، أي ثلاثة أشهر، للتوصل الى تحسين نوعية هذه الشرائح وجودتها، لتخدم الأهداف المختلفة.

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى