منوعات

حين تآمرت السياسة المصرفية على الشعب

غير صحيح أن أزمة مالية عصفت في البلاد؛ كل ما في الأمر أنّها أزمة سياسية تخطّت الحدود لتعصف بالوطن دون إسقاطه.

لا شكّ أنَّ قرار إسقاط لبنان لم يُتّخذ؛ كل ما في الأمر أن قرارًا أمميًا بزعزعة الهيكل لإسقاط كل فئة غير متماسكة. وعندما أقول فئة، أقصد ما أقوله ولا أختبئ خلف أي جدار طائفي، فالطائفية البغيضة واقع نعيشه كل يوم، نحتكم لطوائفنا ثم ننتفض بأسلوب غير منطقي، وعلى كل ما هو غير ذلك، كلا.

اليوم الأمور واضحة، الوطن عبارة عن سياسة، طوائف وكارتيلات، ومن كارتيلاتهم بدأت الحكاية!

أتى كارتيل السياسة المصرفية المركّزة على أمراء طوائفنا ليستمرّ في ضرب الهيكل، فبدأ رويدًا رويدًا ليستشعر الخطر، ومن ثمّ بدأت قرارات ضخّ الليرة ورفع التضخّم لإغراق الهيكل على كل من يسقط في طوفان الصراع الشرق أوسطي، ثم تدخّل كارتيل “التجييش الطائفي” ليستقرّ عند إسقاط النظام برمّته، ولكن هذه المرة كان واضحًا أنه آتٍ لإسقاط حكومة سعد الحريري حينها، فكان الإسقاط بـ”ضربة معلّم”، وعاد بعدها الحاكم بأمره في مصرف لبنان ليُكمل مسلسل الصراع الشرق أوسطي مع أطراف في الداخل اللبناني.

منذ قدوم حكومة حسان دياب، كان واضحًا أن صراعًا ما قائم بين رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، ويجب أن نعترف أن صمود حاكم مصرف لبنان بسبب الغطاء المالي محليًا والغطاء الدولي خارجيًا، سمح له بتحقيق الإنتصار الأول، على البلد برمّته.

لم يكتفِ حاكم مصرف لبنان بهذا النصر الكبير على رئيس الجمهورية، فهو انتقد سياسة الحكومة المالية ولقّنها درسًا مهمًا جدًا في كيفية طعن كل من يعتقد أنّه يستطيع محاولة المسّ بحقيقة الأمور المالية في البلد، فحارب الحكومة أمام البنك الدولي وساهم بإفشال مخطّطاتها، دون أن ننسى الفشل الحكومي داخليًا.

أما مؤخرًا، فسمعنا بشيء يُسمّى “منصّة”، وبدأت التكهّنات الواحدة تلو الأخرى، حتى اعتقدنا أن شيء ما قد يحدث في ظل تأسيس هذه المنصة ثم إطلاقها، فانخفض الدولار وتمّ شفطه من السوق بمنهجية غير مسبوقة، وكأنَّ شيء ما كان مخططًا.

أين هي المنصة؟

لا منطق يسمح بالقول إنه سيكون هناك منصّة بالتزامن مع الحديث عن رفع الدعم، في وقتٍ يتشارك أصحاب كارتيل الطوائف كل “الديباجة” المالية بالشراكة مع حاكم مصرف لبنان، فطارت المنصة التي أصلًا لم يكن ممكنًا أن تكون موجودة بحسب منطق الأمور كما يقدمها الحاكم!

المشهد اللبناني اليوم يُختصر بكلمات بسيطة على الشكل التالي: كارتيل السياسة المالية الموجودة، حيث يتحاصص الفساد مع جزء كبير من كارتيل السياسة، وبعض من ينتفعون من حاكم المصرف وكارتيله المالي هم خصومه في السياسة.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى