منوعات

بين انكفاء البطريرك وحماسة المفتي!

عندما أعلن رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري إعتكافه العمل السياسي والإنتخابي، وقفت الطائفة السنية على مفترق طُرق إذا كانت ستشارك في الإنتخابات النيابية أم تتضامن معه إلتزاماً بمسيرة والده، إلى أن كانت الإشارة من دار الفتوى بوجوب المشاركة حتى لا تقع في الفخ الذي وقعت فيه الطائفة المارونية.

فمع كل أزمة تطرأ على العلاقات بين الموارنة والسنّة في لبنان، يتذكر الطرفان كلٌ على حدة كيف أن زعامتيهما التي تمثلت قبل سبعة عقود ونصف بالبطريرك الياس الحويّك وخيرالدين الأحدب ولاحقاً الرئيسان بشارة الخوري ورياض الصلح، قد عقدت الخناصر على المطالبة بتكوين لبنان الكبير ومن ثم بالميثاق الوطني الذي ينظم العلاقة بين الطرفين “من اجل ان يطير لبنان بجناحيه المسلم والمسيحي”، كما بات يشدد لاحقاً أحد زعماء سنّة بيروت الرئيس صائب سلام.

عندما إهتزت الصيغة في العام 1975 نتيجة لإندلاع الحرب وتشديد السُنّة على المطالبة بالمزيد من الحقوق وصولاً إلى إتفاق الطائف ودستوره، سارع الموارنة إلى الإنكفاء عن المشاركة بالدولة عبر الإنتخابات النيابية التي جرت في العام 1992 بمباركة البطريرك نصرالله صفير، الأمر الذي أتاح لشخصيات من الطائفة (ومن منطقتي كسروان وجبيل) للوصول إلى الندوة النيابية بأربعين صوتاً فقط، الأمر الذي استدركه أبناء الطائفة لاحقاً بإطلاق الدعوات المكثفة لإستئناف الإنخراط في الدولة، ولكن تطلب ذلك نحو عقدين من الزمن بعد أن سُمح لأحد قادة الطائفة “العماد ميشال عون” بالعودة الى لبنان بعد فترة نفي في باريس، إمتدت لعقد ونصف من الزمن، وتزامنت مع الإفراج عن قائد آخر (سمير جعجع) بعفو خاص بعد فترة سجن إمتدت لإحد عشر عاماً.

وما أصاب الطائفة المارونية تسلّل إلى الطائفة السنية التي عاشت عقداً ونصف متحكمة بالسلطة التنفيذية، إلى أن إستشهد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 و “برم دولاب” نجله الرئيس سعد الحريري في العام 2017 ليعلن بعد أربع سنوات ونيّف أنه سيعلّق العمل بنشاطه السياسي والإنتخابي مع كل ما يمت بصلة إلى تياره، الأمر الذي وجدت فيه الطائفة نفسها في وضع لا تُحسد عليه من عدم التوازن، لأن آل الحريري ربطوا الطائفة بهم كآباء لها بعد العمل بكد على بعثرة بقية الزعامات.

ولكن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان سارع بعد “فترة تأمل” إلى إلتقاط اللحظة وعدم التشبّه بالطائفة المارونية وما حصل معها قبل ثلاثة عقود، فقرر “ربما بإيحاء ما” إلى التحدي وإطلاق المقاومة للمواجهة وتحمّل المسؤوليّة أمام التاريخ والناس، محدداً أن المقاومة تبدأ داخل صندوق الاقتراع، وعلى الناس المؤمنين بهذا الوطن بكلّ مذاهبهم، وفي مقدَّمهم سُنّة لبنان، أن يذهبوا بكثافة خلف تلك الستارة، ويختاروا مَن يريدون بعد تحكيم ضمائرهم، معتبراً ان تلك هي الخطوة الأولى لتحرير لبنان، كي يواجهوا مسعى البعض إلى إسقاطهم من المعادلة الوطنية وتحويلهم إلى ملحَق في هذا الوطن”، وذلك بعكس ما فعل الموارنة حين هربوا إلى الأمام “معتقدين ربما” أن البلد سينهار من دونهم، فدفعوا الثمن غالياً، ولذلك تشجّع العديد من الأسماء ولاسيما من كوادر المستقبل لإعلان رغبتهم بالاستقالة من التيار الأزرق والترشح.

ولذلك، بدا واضحاً مؤخراً كم أن الموارنة وعلى لسان رأس كنيستهم البطريرك بشارة الراعي لا ينفكون على إطلاق الدعوات للمشاركة الواسعة في الإنتخابات النيابية “بإعتبارها فرصة للتغيير عبر النظام من أجل خلق واقع جديد في البلاد يكون ممراً حتمياً لعودة لبنان دولة محترمة”، مستنكرا ما وصفه بـ”فذلكات” تمهد لتأجيل الانتخابات”.

مرسال الترس

مرسال الترس

اعلامي لبناني كتب في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى