تركيا تزرع الإحباط في الشارع الأرمني اللّبناني

انشغل العالم في الأيام القليلة الماضية بالحرب المندلعة بين أذربيجان وإقليم ناغورنو كاراباخ ذو الغالبية الأرمينية، وما رافق هذه الحرب من اصطفافات للدول المجاورة لأطراف الصّراع والتغيرات التي طرأت على بعض المواقف من كلا الطرفين.

الأغلبية تابعت الحرب، لكن ليس بالشكل المطلوب، كون الأنظار كانت مشدودة إلى الانتخابات الأميريكية التي شغلت العالم ولم تزل حتى بعد صدور نتائجها، إضافة إلى فايروس كورونا المستجد وما رافقه من أزمات، أمّا في لبنان فالأمر مختلف عن باقي الدول، إذ كان الاهتمام بهذه الحرب لافتًا  لسببب واحد وهو أنّ الأرمن يشكلون شريحة واسعة من المجتمع اللّبناني، ولهذا كانت متابعة اللّبنانيين من أصولٍ أرمينية لأيّ خبر يأتي من بلد الجذور ولسير المعارك الدائرة بين أرمينيا و أذاربيجان، فتفاعلوا معها في بيوتهم وأماكن تجمعاتهم، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ظهر للجميع مدى التعاطف الذي أبداه أرمن لبنان مع دولة الأجداد، لكنّ الأمر لم يقتصر هنا بل تعدّاه إلى مشاركة شبان أرمن من لبنان في هذه الحرب، وتقول مصادر أن بعضهم قُتل هناك.

إلّا أن نتائج  هذه الحرب لم تكن كما اشتهاها أرمن العالم ومنهم أرمن لبنان، فقد عوّلوا على الانتصار في حربهم ضدّ أذربيجان ومن خلفها تركيا، العدو التاريخي للأرمن، إذ وقّعت الحكومة الأرمينية إتفاق سلام مع أذربيجان بوساطة روسية، أُجبرت فيه أرمينيا على إنهاء القتال بعد ستة أسابيع من المعارك العنيفة، أسفرت عن سقوط مئات القتلى من الطرفين، وسيطرت القوات الآذربيجانية على العديد من المناطق التي كانت تحت السيطرة الأرمينية .

يعقوبيان: من الطبيعي أن يشارك أرمن لبنان في معركة كاراباخ

يعتبر أرمن لبنان أن هذه الهزيمة تشكّل إحباطاً لهم ولكلّ الأرمن في العالم وفق ما أعلنته النائبة المستقيلة والناشطة السياسية بولا يعقوبيان في حديث خاص لـ “أحوال” لفتت فيه إلى أن التاريخ يعيد نفسه مع الشعب الأرمني المسالم، مؤكدةً أن أرمن لبنان شاركوا في معركة كاراباخ وقدّموا الشهداء كما في تسعينيات القرن الماضي،  واعتبرت أنه من الطبيعي أن يشاركوا في هذه المعارك فهم من أصول ودماء أرمنية.

وتعليقًا على قرار الاستسلام الذي اتخذه رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشنيان رأت يعقوبيان أنه كان في مكانه لوقف إراقة الدماء، فلم يكن هناك تكافؤ بأي شكل من الأشكال بين القوّة الآذرية وأرمن أرتساخ، فلو كان هناك أمل بربح الحرب لما اتّخذ باشينيان هكذا قرار، وأضافت أنه كان واضحًا أن قسماً وازناً من المجتمع الدّولي لم يكن مهتمًا لما يجري في كاراباخ، بل كان منشغلاً بأزماته الاقتصادية وجائحة كورونا ولم يناصر الحق.

ولفتت يعقوبيان إلى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصرّ على فتح الحروب ونكء الجراح أينما كان والاستمرار بالبطش، ورأت أنّ الذين استشهدوا في الإقليم  قضوا وهم يدافعون عن بيوتهم وأرزاقهم وعائلاتهم كما الذين قضوا في القرون الماضية.

كريم بقردوني: أرمن لبنان يعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة بالحرب التركية

بدوره الوزير السابق كريم بقردوني أكّد أن أرمن لبنان مع أرمن أرمينيا وهم يفهمون كل ما يجري في أرمينيا، ويساعدون ليس فقط بالموقف السياسي بل أيضا بإرسال الشباب الأرمني لمساعدة أرمن أرمينية وقد سقط شهداء لبنانيّون في كاراباخ، فأرمن لبنان يعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة بالحرب التركية، لما تشكله تركيا من صورة بشعة في ذاكرة الأرمن، فقد قضى أكثر من مليون ونصف أرمني جرّاء الحرب التركية على هذا الشعب .

واعتبر بقردوني أن تركيا اليوم تحاول إلغاء الاستقلال الأرميني والشعور بالسيادة الأرمينية في أرمينيا، معتبرًا أنّ الحلم العثماني التركي لا زال قائمًا، وحلم تركيا بالربيع العربي هو أن يتسلم الإخوان المسلمون الحكم في البلاد العربية.

وأشار بقرادوني إلى أنّ كل الحروب تنتهي بالتسويات مع  العلم أنّ الذي حصل هو توازن قوى برعاية روسيا وإيران، والتوازن السياسي لا يسمح بانتصار فريق على فريق آخر.

على الرغم من التفاعل والتأثير الأرمني في الحياة السياسية والاقتصادية اللّبنانية، إلّا أنّ التمسك بجذور الأجداد يظهر جليًّا ليس فقط في حياتهم اليومية، وإنّما في القضايا المصيرية التي تستهدف الشعب الأرمني في العالم، لكن وبحسب الشارع الأرمني اللّبناني، يبقى الولاء الأول والأخير إلى لبنان في جميع قضاياه.

منير قبلان