منوعات

عودة ارتفاع الدولار.. رياض سلامة يتخلّى عن تثبيت السعر!

سعر صرف الدولار يستأنف مساره التصاعدي في السوق السوداء، خلال اليومين الأخيرين، كاسرًا حال الاستقرار خلال الأشهر القليلة الماضية. فيما سعر الصرف الرسمي لم يعد واقعيًا بعدما فقدت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام العملة الخضراء.

تذبذب سعر الدولار يشي بتخلّي الحاكم بأمر المال اللبناني رياض سلامة عن قرار التدخّل في السوق من أجل حماية الليرة والحفاظ على سعر صرفها عند حدود 20 ألفاً. ويبدو أن اللبنانيين سيضربون موعدًا حارًا مع سعر صرف حارق للدولار خلال الصيف.

تكمن أزمة سعر الصرف في اختلال توازن النظام المالي، وفداحة الخسائر المتراكمة بغياب سياسة نقديّة مدروسة تُعالج الخسائر المصرفيّة. ثغرات يستغلها المضاربون لتحقيق الثروات مع سريان انطباع عام بأن كل القرارات والمعالجات الجدية لن تُبصر النور إلّا ما بعد الانتخابات.

فبعد أن ارتفع سعر الصرف بما يزيد عن 1000 ليرة يوم الخميس، قبل أن يعاود الانخفاض إلى محيط 24500 ليرة، استأنف اليوم الجمعة 15 نيسان صعوده ببطء. وارتفع سعر صرف الدولار اليوم الجمعة في السوق السوداء إلى محيط 24800 ليرة و24850 ليرة، للشراء والمبيع.

يُعلّق رئيس “أكسيس كابيتال” الخبير المالي وليد أبو سليمان على ارتفاع سعر صرف الدولار مجددًا بالقول “بسبب سياسات الهروب إلى الأمام التي تنتهجها المنظومة، من هدر أموال المودعين على دعم الليرة وتكليف الاقتصاد المزيد من الخسائر”. ويتابع “بعد تقاعس المصرف المركزي عن ضخ الأموال على منصة صيرفة يتوجّه التجار إلى السوق السوداء لشراء الدولار. عمليًا زيادة الطلب تؤدي إلى ارتفاع السعر”.

حجم التداول الذي كان يوازي ٩٠ مليون دولار على منصة صيرفة أصبح الآن أقل من٦٠ مليونًا. وبلغ يوم الخميس حدّا أدنى قارب، 33 مليونًا و500 ألف دولار أميركي فقط، بمعدل 22200 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وفقًا لأسعار صرف العمليات التي نفذت من قبل المصارف ومؤسسات الصرافة على المنصة. وهذه مؤشرات إلى نفاد احتياطيات العملة الصعبة في مصرف لبنان.

هذا يدل على أن الإجراءات التي اتخذها المصرف لتثبيت سعر الصرف منذ مطلع 2022 لم تؤدِ سوى إلى إحراق مليار ومئتي مليون دولار، وهو تحدي كان متوقعًا لعدم قدرة المصرف على

الاستمرار بهذه الإجراءات بسبب فقدان الأموال، كما يقول أبو سليمان. ويلفت إلى أنّ لا استدامة لتثبيت الدولار إذا لم تُقر الإصلاحات لإعادة جزء من الثقة التي فقدها النظام المالي.

من الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي على الطاولة لعرض الاتفاق مع لبنان، هو توحيد سعر الصرف ومن لوازمه إقرار قانون الكابيتال كونترول. هذا الشرط الذي يتهرب حاكم مصرف لبنان من تنفيذه، وهو يردّد دائمًا أن تثبيت سعر الصرف قرار سياسي، مرجحًا أولوية توقيع الاتفاق مع صندوق النقد حتّى يُصار إلى توحيد سعر الصرف. وكان قد جعل من الاتفاق مع صندوق النقد عاملًا مساعدًا لتوحيد سعر الصرف وتثبيته.

الدولار في لبنان فيه من العجب لو أدركه نظام الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة وواضعو “اتفاقية بريتون وودز”، التي ثبتت الدولار كعملة عالمية من أجل استقرار النقد العالمي، لجنَّ جنونهم. فتعدّد أسعار الصرف أوصل النظام المالي إلى مرحلة من التعقيد بفعل التعاميم الكثيرة والتعديلات عليها، ما أخرج نظام العملات عن السيطرة. وبات الدولار بالنسبة للبنانيين أربع أو خمس عملات، لا عملة واحدة. فالحساب المصرفي الواحد دولاراته وفق السعر الرسمي، وعلى سعر 8,000 ليرة، وعلى سعر 12,000 ليرة (التعميم 158). وكلّ هذه الدولارات يتمّ تحويلها إلى الليرة، ثمّ تُصرف بالدولار على سعر صيرفة، عدا عن سعر دولار السوق السوداء.

هذه الفوضى النقدية تحجب عن اللبنانيين المعلومات الدقيقة عن سلامة النقد، وتشوّه تقييم الموجودات والمطلوبات في مصرف لبنان. حيث يقدم المركزي أرقامه وفق سعر الصرف الرسمي ولا يفص بين حسابات الليرة وحسابات الدولار.

وهكذا يدفن كل من مصرف لبنان والبنوك الرؤوس في الرمال ويحجمون عن تقديم أرقام واقعية منذ بداية الأزمة حتى اليوم. والطرفان مع السلطة السياسية يماطلون في تنفيذ اتفاقية صندوق النقد وإقرار الكابيتال كونترول وإقرار خطة التعافي، آملين أن تأتي تسوية سياسية إقليمية تُغرق البنوك بالعملة الصعبة لإخفاء الجرائم المالية وكأن شيئًا لم يكن.

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى