منوعات

سعر صرف الدولار أشّعلَ الشارع… فهل بدأ الإنفجار الكبير؟

ما إن دخلت البلاد في المرحلة الثالثة من خطة إعادة الفتح حتى تفجّر الغضب الشعبي وأُفرِغ الإحتقان الاجتماعي الذي عاشه المواطنون خلال فترة الإقفال من جوعٍ وفقر وارتفاع في الأسعار وصرف الدولار، وتُرجِم على الأرض بسلسلة تحركات طالت مختلف المناطق اللبنانية.

الدولار يُشّعِل الشارع

تصوير: عباس سلمان

وكأنّه لا يكفي المواطن التزام المنازل وحظر التجوّل، حتى تمادى المسؤولون والتجار والمحتكرون والمضاربون في التلاعب بأسعار المواد الغذائية والمحروقات وصرف الدولار الذي بلغ ذروته اليوم، وسجّل 10 آلاف ليرة فكان شرارة الإنفجار في الشارع. فيما المسؤولون يتجاهلون هذا الواقع الصعب وكأنهم في كوكبٍ آخر، ويتلهون في صراعاتهم السياسية والطائفية على النفوذ والحصص في الحكومة محوّلين البلد والمواطن إلى ضحية ورهينة حساباتهم ومصالحهم.

فمشهد قطع الطرقات وإحراق الإطارات في بيروت والبقاع والشمال والجبل والجنوب كان متوقعاً، نتيجة تراكم الضغوط المعيشية على المواطن. فنسبة البطالة ارتفعت مسجّلة أرقاماً قياسية فيما أصحاب المهن والمصالح والمحال التجارية الصغيرة والمتوسطة اختنقت وسجّلت خسائر كبيرة نتيجة إقفال البلد.

هل تُمنح القوى العسكرية زيادة على الراتب؟

أما موظفو القطاع العام، فليسوا أفضل حالاً مع تهاوي القيمة الشرائية لرواتبهم التي باتت تتراوح بين 100 و200 دولار! فيما توقع خبراء اقتصاديون وماليون استمرار ارتفاع سعر الصرف خلال الأيام القليلة الماضية، وأشاروا لـ”أحوال” إلى أن “سعر الصرف لا حدود له في ظل الأوضاع القائمة السياسية والمالية والاقتصادية”. وفي هذا السياق، تتزايد حالات التململ والتمرّد والفرار من القوى العسكرية ما دفع بالسلطة السياسية للبحث عن حل لهذه الأزمة من خلال منح العسكريين 200 دولار على سعر 4000 ليرة لبنانية كإضافة على رواتبهم.

فهل نحنا أمام انتفاضة شعبية جديدة ستتسع لتشمل محتلف الفئات الاجتماعية وتخرق الإصطفافات الطائفية والمذهبية؟ أم أنها مجرد ردة فعل عفوية ومؤقتة لا تلبث أن تنتهي في اليوم الثاني؟

لا حلول فورية وقريبة والأزمة إلى تفاقم وتمدد

تصوير: عباس سلمان

وبحسب معلومات “أحوال”، فإنّ عشرات مواقع “الواتسأب” اشتعلت وامتلأت بالتعليقات والنقاشات حول الأوضاع الاقتصادية وشهدت حالات غضب كبير ودعوات للنزول إلى الشارع للتعبير عن الغضب وتحميل الطبقة السياسية مسؤولية هذه الأوضاع، سيّما وأنها تقف مكتوفة الأيدي حيال عذاب المواطن واكتوائه بنار غلاء الأسعار وهبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار. فيما أبلغت مصادر أهلية وبلدية “أحوال” عن وجود عدد كبير من العائلات التي لا تستطيع تأمين قوت يومها وتعاني من نقص كبير في المواد الغذائية والتدفئة والغاز ومياه الشرب وغيرها من الحاجات اليومية.

ويتساءل المواطنون عن دور الحكومة والوزارات المعنية بالأسعار وبالحياة اليومية للمواطن وأجهزة الرقابة والمجلس النيابي؟ ولماذا هذا الصمت والتخلّف عن ضبط عمليات الإحتكار والتهريب؟ ولماذا سمح مصرف لبنان المسؤول الأول عن الإستقرار النقدي عن شراء المصارف والصرافين للدولار بكميات كبيرة؟

وتلفت أوساط حكومية لـ”أحوال” الى أنّ لا حلول قريبة أو معالجات فورية للأزمات الحالية في ظل حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الاجتماع ولا اتخاذ القرار؛ متوقعة المزيد من التأزم خلال الأيام المقبلة وعلى مستويات أكبر في ظل الاقتراب من اتخاذ قرار برفع الدعم عن السلع والمحروقات والإتجاه إلى تقنين أكثر بالكهرباء ورفع فاتورة المولدات الكهربائية، ما سيضع القوى السياسية كافة أمام خيارين إما معالجة الأزمة ولو مرحلياً وجزئياً وتأليف حكومة سريعة لاحتواء غضب الشعب؛ وإمّا تحمل تبعات الإنفجار الشعبي الكبير الذي لن يقتصر هذه المرة على فئة دون أخرى بل سيجمع مختلف شرائح الشعب اللبناني وسيطال المقرات الرئاسية كافة.

أسباب سياسية واقتصادية لارتفاع سعر الصرف

وتعدد مصادر ساسية واقتصادية مطلعة لـ”أحوال” أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار:

الأول، انسداد باب الحلول للأزمة الحكومية في ظل سقوط كافة المبادرات والوساطات على خط بعبدا – بيت الوسط ما يعني سقوط الرهانات على تأليف حكومة تستطيع إنجاز الإصلاحات للحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، ما أدّى إلى مزيد من الضغط السلبي على الأسواق الاقتصادية والمالية.

الثاني، إقبال المصارف على لمّ الدولار من السوق السوداء عبر صرافين يتبعون لها وذلك قبيل انتهاء المهلة الممنوحة لهم من مصرف لبنان لزيادة رأسمالها وسيولتها تنفيذاً لتعميم مصرف لبنان.

الثالث، الإستمرار في استنزاف احتياط المصرف المركزي من العملة الخضراء والتوجه إلى رفع الدعم أو ترشيده إلى حدود كبيرة، ما دفع بالتجار والمواطنون على حدٍ سواء إلى شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والدولارات وتخزينها، فزاد الضغط على الدولار.

الرابع، العودة إلى استخدام الدولار السياسي في الصراع على تأليف الحكومة.

في المقابل، حذّرت أوساط مطلعة لـ”أحوال” من تداعيات الأزمة الحكومية والتوتر السياسي الذي يتسيّد المشهد الداخلي منذ شهور، مشيرة إلى أن “الخطر الكبير يتأتى من الإنهيار الاقتصادي واستخدام الضائقة المعيشية في اللعبة السياسية الداخلية للضغط على رئيس الجمهورية وحزب الله لتقديم تنازلات في الحكومة”. وكشفت الأوساط أنّ الرئيس سعد الحريري والفريق السياسي الذي يمثله يتماهى مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لرفع الدولار  للضغط على رئيس الجمهورية للّي ذراعه في عملية تأليف الحكومة”.

تمدد الإحتجاجات إلى الضاحية والجنوب

وتمددت رقعة الإحتجاجات وقطع الطرقات إلى المناطق المحسوبة على البيئة الشعبية لحزب الله وحركة أمل في الضاحية الجنوبية والجنوب. ولفتت مصادر الثنائي لـ”أحوال” إلى أنّ “البيئة الشيعية كغيرها من البيئات اللبنانية تعاني وتتوجّع من تردي الأوضاع الاقتصادية؛ وهي سبق وشاركت في انتفاضة 17 تشرين 2019، لكن وبعدما دخلت مجموعات خارجية مشبوهة على التظاهرة لحرفها عن مسارها وأهدافها، خرج جمهور المقاومة منعاً لأي فتنة داخلية يجري التخطيط لها لضرب الإستقرار الأمني في البلاد بعد ضرب الإستقرار الاقتصادي والاجتماعي”. وأوضحت أنّ “الحراك الشعبي في الشارع دليل صحة وحيوية لكن يجب أن  لا نسمح للمشروع الأميركي الخليجي باستخدام الشارع للضغط السياسي كما الحال في السنوات الماضية؛ حيث مارس الأميركيون الضغط الأقصى على لبنان وتشديد الحصار المالي والاقتصادي على الشعب اللبناني، بمن فيه جمهور المقاومة لتأليبه على حزب الله وبالتالي ضرب الحزب من قلب بيئته، لكن المشروع سقط بحسب المصادر. فكل الفئات الاجتماعية تضرّرت إلا حزب الله كون رواتب عناصره بالدولار. مشيرة إلى أن “تفاقم الأزمة سيصيب بيئة المقاومة بالتأكيد ولكن بدرجات أقل من البيئات الأخرى”.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى