مجتمع

حرق الإطارات في طرابلس: أضرارٌ بالبيئة والصحّة مقابل قروش

يكاد لا يمرّ أسبوع إلّا وتشهد مناطق المدخل الشّمالي لمدينة طرابلس أكثر من مرّة، أغلب الأحيان، وخصوصاً في المناطق غير المأهولة بالسّكّان والتي تتواجد فيها بكثرة مستودعات وتجمّعات الخردة على اختلافها، إرتفاع سحب الدّخان الأسود في سمائها، ما يدفع المواطنين إلى إغلاق نوافذ وأبواب بيوتهم المجاورة منعاً لدخول الدّخان إليها، خشية من التلوث وحفاظاً على صحّتهم في آن معاً، وتحديداً الأطفال وكبار السّن والذين يعانون من أمراض الربو والحساسية أكثر من غيرهم، الذين يصابون بحالات إختناق يضطر بعضهم للإنتقال إلى المستشفى للعلاج.

هذه الظاهرة إستفحلت خلال السّنوات الأخيرة على نحو واسع وخطير، بعدما دأب أصحاب مستودعات وتجمّعات الخردة هذه، أو ما تعرف محليّاً بـ”البُوَر”، على إحراق إطارات السّيارات المستعملة في الهواء الطلق من أجل استخراج الحديد والنحاس منها بشكل خاص بهدف بيعها، بعدما باتت هذه التجارة رائجة ومربحة لكثيرين في الآونة الأخيرة، يقومون بشرائها أو تجميعها من مختلف المناطق، وأنّ دولاً تُصدّر إليها مواد الخردة هذه عبر مرفأ طرابلس وغيره، حيث تُقدّر قيمة الصادرات منها بملايين الدولارات.

وحسب إحصاءات رسمية فإنّ صادرات لبنان من الخردة بلغت العام الماضي، وفق تقرير صدر في آذار من العام نفسه، 315 مليون دولار أميركي، كانت حصّة تركيا الأكبر منها إذ قاربت 40 في المئة من إجمالي صادرات الخردة، تلتها سويسرا 28 في المئة، الإمارات 15 في المئة والسّعودية 6 في المئة.

غير ان هذه التجارة التي تعتبر مربحة لفئة قليلة من المواطنين، تلحق ضررا بيئيا وصحيا كبيرا بمواطنين كثيرين ممن يقيمون في اماكن قريبة من المواقع التي يتم فيها حرق هذه الاطارات في منطقة سقي طرابلس الشمالي، وتحديدا في مناطق باب التبانة والمنكوبين والبداوي، الذين يناشدون في كل مرة يتم فيها الحرق المسؤولين وضع حد لهذه الاستباحة لصحتهم نتيجة الدخان الاسود والروائح الكريهة المنبعثة من الحرائق، وان جراة البعض وصلت في الاونة الى انهم باتوا يحرقون الاطارات في مختلف ساعات النهار، بعدما كانوا في السابق يقتصرون على ساعات الفجر والصباح الاولى فقط.

مخاطر هذا الحرق أوضحها لـ”أحوال” مدير مختبر علوم البيئة والمياه في الجامعة اللبنانية الدكتور جلال حلواني، بقوله إنّ “حرق الإطارات يعني إحراق مواد كيماوية سامّة تنبعث منها غازات خطيرة يستنشقها المواطنون، وتظهر عوارضها الصحية لاحقاً على الجهاز التنفسي والقلب أكثر من غيرهما”.

وأبدى حلواني أسفه لأنّه “من أجل تحقيق أرباح هي عبارة عن بضعة قروش يتم بالتهاون بقضايا الصحة والبيئة، وأنه إذا كان هناك بديل عن تلوث المياه عبر الإستعانة بالمياه المعدنية، فإنّ تلوث الهواء لا بديل عنه، ورغماً عنّا سنضطر إلى استنشاق هواءً سامّاً وتحمّل عواقبه”.

وطالب حلواني بـ”ضرورة تحمّل المسؤولين مسؤولياتهم أمام الله وأمام المواطنين، لأنّه لا يجوز أبداً التهاون حيال هذه الجريمة المتمادية بتغطية من السّياسيين والأمنيين مقابل حفنة من القروش، وأنّ ما يربحه البعض من أموال ندفعه من صحتنا وبيئتنا أضعافاً مضاعفة”.

واعتبر حلواني أنّ “تبرير قيام البعض بحرق الإطارات لأنّه مصدر رزق لهم غير مقبول أبداً، وغير منطقي، لأنّه يمكن لهؤلاء ويحقّ لهم كسب الرزق، لكن ليس على حساب صحّة الناس والإضرار بهم، كما أنّ الإطارات المستعملة لها في جميع بلدان العالم حلولاً صديقة للبيئة من أجل التخلّص منها، ونحن في لبنان لسنا دولة إستثنائية في العالم”.

وأكّد حلواني أنّ “معالجة مشكلة إشعال الإطارات والأضرار بالبيئة وصحّة النّاس تحتاج إلى قرار سياسي وأمني بالدرجة الأولى، لأنّ من يحرق الإطارات معروفين، والأرض التي يجري فيها الحرق معروف من يملكها، وكذلك معروف من يغطّيهم سياسياً وأمنياً، وأنّه في أيّ مكان يوجد فيه فساد سياسي وأمني يوجد فساد صحّي وبيئي”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى