انتخابات

استثمار الأحداث وأخطاء “العهد” والدعم السعودي.. أسباب “انتفاخ” “القوات”

كيف ستُترجم "معراب" حواصلها في الاستحقاقات المقبلة؟

حملت نتائج الانتخابات النيابية مجموعة من المفاجآت على صعيد إعادة ترسيم الحواصل الشعبية والتوازنات النيابية والسياسية بين القوى الحزبية لا سيما على الساحة المسيحية.

فبموازاة تبعّثر الخريطة النيابية المسيحية إثر تراجع حصة قوى كانت الأقوى وتعثّر أو انتفاخ قوى أخرى، المستجد البارز هو تضخم كتلة حزب “القوات اللبنانية” من 15 نائباً في انتخابات العام 2018 ثم إلى 13 نائباً (بعد استقالة كل من النائبين قيصر المعلوف وجان طالوزيان من الكتلة)، إلى حوالي 22 نائباً حتى الساعة في الانتخابات العتيدة. ما يُشكل نقلة نوعية لـ”القوات” على حساب القوى المسيحية الأخرى لا سيما التيار الوطني الحر الذي تربع على عرش الشارع المسيحي منذ “تسونامي” ميشال عون عام 2005 الى اليوم. تحولٌ يحمل أبعاداً سياسية وسيترتب تأثيرات على مستوى الاستحقاقات المقبلة والمعادلة السياسية الداخلية.

فقد أظهرت النتائج الأولية أن “القوات” حصدت مقعدين في دائرة بيروت الأولى (غسان حاصباني وجهاد بقرادوني)، ومقعدين آخرين في جبل لبنان الأولى (شوقي دكاش وزياد الحواط)، ومقعد في جبل لبنان الثانية (ملحم رياشي)، ومقعدين في جبل لبنان الثالثة (بيار بو عاصي وكميل شمعون)، ومقعدين في جبل لبنان الرابعة (نزيه متى وجورج عدوان).

وتمكنت “القوات” من اختراق عرين التيار الوطني الحر في جزين التي لطالما سُمّيت “بشري” “العونيين”، بالمرشحة (غادة أيوب).

وثبتت “القوات” حضورها عبر مقعدين اثنين (الياس اسطفان وجورج عقيص) وبمقعد سني (بلال حشيمي) في دائرة البقاع الأولى (زحلة).

وتمدد الاختراق “القواتي” إلى البقاع الثالثة – بعلبك الهرمل بنيلها مقعداً (أنطوان حبشي)، كما حصدت وسام منصور في دائرة الشمال الأولى (عكار)، والياس الخوري في دائرة الشمال الثانية، وكرست حضورها الوازن بأربعة مقاعد في دائرة الشمال الثالثة (ستريدا جعجع وجوزيف إسحاق، فادي كرم وغياث يزبك).

اختراق “القوات” لعشر دوائر انتخابية، يرسُم الكثير من التساؤلات حول أسباب تضخم كتلتها؟ هل هي قدرة “معراب” على استغلال الاحداث المختلفة و”اللعب” على ضعف وأخطاء خصومها، أم بفعل الدعم السياسي والمالي الخارجي الذي وفرته السفارتين الأميركية والسعودية؟

-بعد استقالة وزرائه من حكومة الرئيس سعد الحريري عقب أحداث 17 تشرين 2019، انصرف حزب “القوات اللبنانية” للتحضير للانتخابات النيابية 2022، وكان يدعو باستمرار الى إجراء انتخابات نيابية مبكرة لإعادة تحديد وترسيم الأحجام والأوزان لا سيما على الساحة المسيحية. ودأب حزب “القوات” على استغلال الأحداث المفجعة وعاصفة الانهيارات المتتالية التي ضربت لبنان لاستثمارها في السياسة، لصالح شد العصب المسيحي خلفها، واتخاذ هذه الأحداث منصة للتصويب على العهد ورئيس تياره النائب جبران باسيل وتحميلهما مسؤولية “خراب البصرة”.

-لا شك أن “الخطوة الانقلابية” التي نفذها سمير جعجع على العهد والحريري معاً، بانسحابه من الحكومة وقتذاك (2019)، يندرج وفق ما يُشير معنيون لـ”أحوال”، ضمن خطة خارجية لإشعال الشارع واستخدامه ضد العهد وحلفائه وعلى رأسهم حزب الله، لتأليب البيئة المسيحية والوطنية ضد التيار والحزب لإيصال “التيار” إلى انتخابات 2022 على “آخر نفس”.

وكانت “معراب” آنذاك تسعى لتحقيق هدفين: اضعاف “التيار” في الوسط المسيحي، ونزع الشرعية المسيحية عن سلاح حزب الله لدفن تحالف “مار مخايل” بين “حارة حريك” و”الرابية” تلبية للإرادة الخارجية.

-وكما نجحت “القوات” في استغلال الأحداث وأخطاء خصومها السياسيين ووضعهم الحرج في موقع المسؤولية في السلطة وتلقيهم سهام الرأي العام والضغوط الدولية والحصار المالي والاقتصادي، تمكنت من حصد كتلة نيابية وازنة في عدة دوائر انتخابية فاقت الـ20 نائباً، غيرت التوازن على الساحة المسيحية لصالحها على حساب “التيار”.

-لا يُخفى على أحد الدعم الأميركي – السعودي المطلق لـ”القوات” التي تقدم أوراق اعتمادها بشكل دائم للخارج كرأس حربة لمواجهة حزب الله وحلفائه المسيحيين (التيار والمردة)، وبالتالي ساهمت السعودية عبر الجولات المكوكية لسفيرها في لبنان وليد البخاري على المناطق السنية، لا سيما الى “عشائر العرب” في البقاع ومنزل المرشح على لائحة “القوات” بلال الحشيمي في زحلة، لتأمين الحاصل السني الوافر للوائح “القوات” في مختلف المناطق في ظل انفاق مالي هائل وفق معلومات ميدانية، فضلاً عن “الفتاوى الدينية” التي أصدرها “دار الفتوى” للتصويت للوائح المدعومة من المملكة.

-بالتأكيد استفادت “القوات” من الحصار الاقتصادي الأميركي – الخليجي للبنان ولعهد الرئيس ميشال عون تحديداً والتي كانت “القوات” جزءاً أساسياً فيه، منذ التسوية الرئاسية (2016). وقد كشف المسؤول الأميركي السابق ديفيد شينكر (كان معنياً بالملف اللبناني لسنوات”، منذ أيام قليلة اللثام عن جانب من الدور الأميركي في تسريع حصول الانهيار المالي في لبنان.

-تُظهر خريطة التحالفات أن “القوات” عقدت التحالفات مع قوى أخرى كالمستقلين (جهاد بقرادوني في بيروت الأولى) والعائلات (كميل شمعون) والقوى التقليدية وآخرين كبلال الحشيمي المرشح السني وذلك لتأمين عدد أكبر من الأصوات. كما استفادت من نسبة الاقتراع العالية للمغتربين وحرية حركة ماكيناتها الانتخابية في مختلف الدول لا سيما أميركا والخليج.

-استغلت “القوات” الاحتجاجات الشعبية وركبت “الثورة” بأسماء ومجموعات “قواتية” مموهة وملونة.

-استفادة “القوات” من وجود الرئيس عون في السلطة وسياسة النأي بالنفس التي اتبعتها عن نار الغضب الشعبي واشتغلت على نقاط ضعف وثغرات وأخطاء و”خطايا” العهد و”التيار”، واستثمرتها شعبياً لجذب الناخبين اليها، وإيهام الرأي العام بأن سقوط العهد وتعويم “القوات” وتغيير الأكثرية النيابية وتحجيم حزب الله وحلفائه، عوامل ستغيّر الموقف الخارجي ويفتح طريق الانفراج الاقتصادي للبنان.

سينعكس “الوزن القواتي” وحاصلها الجديد على المعادلة السياسية الداخلية وستترجمه في الاستحقاقات المقبلة لا سيما رئاسة مجلس النواب بعدما بشرت “القوات” بالإحجام عن انتخاب الرئيس الحالي نبيه بري، وكذلك تشكيل حكومة جديدة، أما الاستحقاق المفصلي فهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية حيث سيكون لـ”القوات” الناخب الأكبر فيه.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى