منوعات

نفوق 500 رأس ماعز في البقاع الغربي… جريمة أم حادث عرضي؟!

أكثر من عشرة أيام مضت على نفوق ما يزيد على الـ 500 رأس من الماعز في منطقة مشغرة البقاعية، ولا من يعلم إلى الآن من المسؤول، ولا من يجيب عن سؤال: تسمُّم أم تسميم؟ فالحقيقة غائبة كما في سائر القضايا والملفات، من انفجار المرفأ إلى استباحة ما بقي من هيبة الدولة، فيما القضية صارت أكبر من نفوق المئات من رؤوس الماعز، كونها تشي بالمزيد من الانهيار وتضع لبنان في مهب تساؤلات أكبر، من الأمن إلى القضاء وصولًا إلى مؤسسات الدولة ومرافقها، خصوصًا عندما تتعارض الأدلة والنتائج، بين تسميم مرعى وتلوث مياه!

يخسر مواطن جنى العمر والفاعل المفترض مغيَّب، حادثٌ عرضي؟ أم جريمة موصوفة؟ لا إجابات واضحة وسؤال يجر آخر، فيما التحقيقات لم تفضِ إلى معرفة من دس السم لهذه الأرواح بحسب صاحب القطيع المنكوب في رزقه، وفي الجهة الموازية بيانات وتقارير متضاربة بين روايتين، تسمّم وتسميم، وما يثير الاستغراب ويطرح المزيد من الأسئلة والتساؤلات أنّ من اعتصم قبل نحو شهر أمام وزارة الاقتصاد بمرياعه وحماره وبعض الأغنام رفضًا لرفع سعر العلف هو نفسه صاحب القطيع المنكوب، فهل الأمر مجرد مصادفة أم وراء الأَكَمة ما وراءها؟

في هذا السياق، أطل “أحوال” على تفاصيل متصلة بهذه القضية، عارضاً لمشكلة دون تبني أي وجهة نظر، واضعاً الأمر في عهدة القضاء، وبرسم من يعنيهم الأمر.

 

صاحب القطيع: هذه جريمة
 

وقال محمد عباس العمار صاحب  القطيع لـ “أحوال”: “عندما نزلنا إلى بيروت أمام وزارة الاقتصاد كان هدفنا إيصال صوتنا للمعنيين بضرورة دعم القطاع، ورفضاً لرفع الدعم عن الأعلاف، ولم نتوقع أن يكون الدعم الذي طلبناه مميتاً كما حصل معنا”.

وقال: “استيقظنا على جريمة طاولت كائنات لا تجيد الكلام ولا تفصح عن أوجاعها، لقد سُــمِّم القطيع بدم بارد، وعلينا أن نصمت ونعض على جراحنا بعد نفوق أكثر من 500 رأس الماعز على دفعات متتالية، ولم نجد من الجهات المعنية في الدولة إجابات شافية، انتظرنا وزير الزراعة منذ اليوم الأوّل للجريمة بعد أن أبدى الجدية بمتابعة قضيتنا، لكن دون جدوى وانتظرنا يوماً كاملاً ننظر إلى 180 رأس ماعز وهي تنفق أمامنا”.

وأردف العمار: “انتظرنا  ليخبرنا الوزير المعني عن نوع السم لنؤمن الترياق أو المضاد الحيوي وننقذ ما يمكن إنقاذه من القطيع، ليصلنا خبر أن العينات التي أخذها موظفو الوزارة لم تصل إلى أي مختبر وأنهم سيرسلونها في اليوم الثاني، وكانت النتيجة أن وصل عدد الماعز النافق إلى أكثر من 500 رأس”.

 

تغطية الفاعلين

واستطرد قائلا: “طالعنا بعدها الوزير ومصلحة الأبحاث العلمية الزراعية بأن القطيع نفق نتيجة تسمّمه من مياه بحيرة القرعون، الأمر الذي لم يقنعنا، خصوصًا وأن البحيرة تسقي كل يوم أكثر من 7000 رأس من الماشية”، لافتاً إلى أنّ “مصلحة اللّيطاني التي أخذت العينات بعد وزارة الزراعة أعطتنا النتيجة قبلها، وبشكل يليق بمؤسسة رسمية، وبأسماء الفحوصات التي أجريت ونوعها والاختصاصيين الذين أشرفوا على العملية ممهورة من أهم المختبرات”.

ورأى العمار أنّ “ظلما وقع علينا، مرّة بتسميم مواشينا ومرّة بتغطية الفاعلين لإقفال الملف”، واعتبر أنّ “ثمّة محاولة استخفاف بعقولنا خصوصًا وأن القطعان التي ترعى وتشرب من القرعون لم تصب بأذى”، متسائلًا: “كيف لقطيعنا دون غيره أن يتأذى؟”.

وأكّد العمار أنّ “باقي القطيع ما زال يشرب من مياه القرعون حتّى اليوم ولم يتسمّم، كما وثق فيديو قطعان الغنم على ضفاف البحيرة بتاريخ 17/10/2020 تشرب دون أن تتضرّر، وهذا ما يثبت أنّ تسمّم قطيع الماعز كان بفعل فاعل وليس بسبب التلوّث في البحيرة”، وتساءل: “من له مصلحة بحرف التحقيقات عن مسارها الصحيح لتغييب الفاعلين والمجرمين الحقيقيين؟”.

 

مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني: للتحلّي بالمسؤولية

ولدى استيضاح مدير عام المصلحة الوطنية لنهر الليطاني الدكتور سامي علوية الأمر، قال لـ “أحوال”: “بتاريخ 8/10/2020، ونتيجة ظهور عوارض تسمّم على قطيع من الماعز في بلدة مشغرة ونفوق أعداد كبيرة من الماشية، تمّت مخابرة وزارة الزراعة ومحافظ البقاع ومن ثمّ توجّه فريق فني تابع للمصلحة إلى مكان وجود القطيع، وتمّ أخذ عينات من الماشية النافقة (دماء وأنسجة وكبد)، ومن مياه بحيرة القرعون ومن مشرب الماشية، وذلك بعد الإتصال بمختبرات البيئة والزراعة والغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأمريكية في بيروت وبالتنسيق مع الطبيب البيطري الاستشاري من جامعة الأردن للعلوم التكنولوجية الدكتور سميح أبو طربوش”.

وأضاف علوية: “وقد تبلغت المصلحة نتيجة هذه التحاليل من مختبرات الجامعة الأميركية، وأودعت النتائج لدى الجهات المختصة”، وأشار إلى أنّ “المصلحة لم يسبق لها أن قامت بمناقشة نتائج أي تحاليل صادرة عن مختبرات موثوقة وتحويلها إلى وجهة نظر”، مؤكدًا ثقته “بمختبرات البيئة والزراعة والغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأمريكية في بيروت وبالدكتور محمد الأبيض، ويمكن لمن يرغب يمكنه مناقشة المرجع الصادرة عنه هذه النتائج وأيضًا الطبيب البيطري الاستشاري، على ضوء المنهج العلمي المعتمد في مثل هذه الحالات”.

ومن ناحية ثانية، لفت علوية إلى أنّ “هناك تحاليل نُسِبت إلى هيئة الطاقة الذرية حول هذا الموضوع تمّ نفيها من قبل المجلس الوطني للبحوث العلمية”، داعياً “كل الشركاء للتحلّي بالمسؤولية في مقاربة مصالح الناس والقطاعات الإنتاجية، والاستفادة من كافة النتائج للوصول إلى أفضل الخلاصات العلمية والحلول العملية، وبالاستناد إلى التحاليل العلمية لا البيانات الإعلامية”.

 

تقرير الأبحاث الزراعية

وكانت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية قد أصدرت بيانًا، قالت فيه: “من المعلوم أنّ التلوث وصل إلى أكثر من الحدود القصوى ولا سيّما مياه الأنهر، وأكثرها تلوثًا نهر اللّيطاني وخصوصاً بركة القرعون، وقد حدثت في الآونة الأخيرة حالات نفوق في قطعان الماعز والأغنام في منطقة حوض القرعون”.

وأضاف: “بطلب عاجل من وزير الزراعة الدكتور عباس مرتضى، قامت مختبرات مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في الفنار في مختبر الطفيليات، الذي يديره الدكتور زياد رزق بفحص عيّنات من الجهاز الهضمي للحيوانات النافقة، وتبيّن أنّها ناجمة عن التلوّث العالي لبحيرة القرعون بالبكتيريا من نوع “سيانوبكتيريا “Cyanobacteria، وهذا ما حذّر منه مجلس البحوث العلمية CNRS منذ العام 2016، إضافة إلى تحاليل جرثومية بإدارة الدكتورة ريما الحاج”.

وأشار البيان إلى أنّ “التلوّث موجود على أشكاله ليس في أنهر عديدة في لبنان فحسب، بل كلّها، لذا يتوجب الانتباه لنفس الموضوع، علماً أنّ بين 95 و100 بالمئة من مياه الأنهر والآبار الجوفية ملوّثة بالمجارير (مياه الصرف الصحي) وبالمعادن الثقيلة، لذا يتوجب إعلان حالة طوارئ مائية وبيئية للبدء بمعالجة التلوّث على أنواعه”.

وذُيِّل البيان بتوقيع المدير العام لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية الدكتور ميشال أنطوان افرام.

 

… ومصلحة اللّطاني

وكان قد سبق تقرير مصلحة الأبحاث الزراعية تقريرُ المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني بعد فحص العيّنات في الجامعة الأميركية في بيروت، وجاءت نتائجُه مغايرة وغير متطابقة، فقد أكّدت نتائج التحاليل المخبرية في مختبرات البيئة والزراعة والغذاء في كلية العلوم الزراعية والغذائية في الجامعة الأميركية في بيروت وبالتنسيق مع الطبيب البيطري في جامعة الأردن للعلوم التكنولوجية الدكتور سميح أبو طربوش أنّ التسمم ناتج عن تناول نباتات ملوّثة (حشائش مرعى) بمبيدات أعشاب أو مادّة سامة ألقيت في الحقول التي يرعى فيها القطيع”.

كما أكّدت “نتائج تحليل مياه القرعون ومشرب القطيع عدم وجود تلوّث مائي مسبّب للتسمّم بحسب المعايير التي تمّ تحديدها من قبل الطبيب البيطري”.

عماشة وعز الدين

ويذكر أن الدكتور نبيل عماشة الاختصاصي في علم الكيمياء والبيئة والمياه، وبحسب متابعته مع المصلحة الوطنية لنهر اللّيطاني أكّد أنّه بحسب المراجع تبدأ عوارض التسمّم بالرصاص عند نسبة 50 ميكروغرام/ليتر دم وأنّ نتائج الجامعة أعطت 230 أي أربعة أضعاف، ما يعني أنّ مصدرًا للرصاص هو مبيد أعشاب أو سم  حشري، ما يفسر أنّه بالنسبة للقطيع النافق لا يمكن التأكيد (بل على العكس يمكن النفي) أنّ السبب هو نتيجة شرب مياه البحيرة لأنّه لم تلاحظ أي عوارض صحيّة لدى عددٍ كبيرٍ من القطعان التي شربت من نفس البحيرة”.

كما نقل الدكتور عماشة رأي الدكتور محمد عز الدين من الجامعة اللّبنانية، الذي أكّد على النتيجة نفسها، وقال إن “مصادر الرصاص مختلفة وتشير دراسات سابقة لفحوصات المعادن في البحيرة أنّ تراكيز الرصاص على مدى السنوات الماضية لم تتخطَّ مستويات الخطورة المذكورة”.

 

مربو الماشية في البقاع الغربي

وفي السياق عيّنه، أصدر مربو الماشية في البقاع الغربي بيانًا، جاء فيه: “طالعنا اليوم المدعو ميشال أنطوان افرام ببيان صادر عنه بصفته مدير عام مصلحة الأبحاث الزراعية، يزعم فيه أن حادثة نفوق أكثر من 500 رأس من الماشية بشكل فوري وجماعي في منطقة مشغرة، تعود إلى شرب تلك المواشي لمياه بحيرة القرعون، وبالتالي يهمّنا توضيح النقاط التالية:

 

1- البيان المذكور لا يستند إلى أي تحاليل علمية حيث أنّ المصلحة المذكورة لم تقم بأخذ أيّ  من عينات دماء الحيوانات النافقة وأنسجتها وأكبادها، بل اكتفت بتحليل مياه البحيرة ومشرب الحيوانات.

2- المصلحة المذكورة لم تقم بتحليل عينات من الأعشاب في منطقة مرعى تلك الحيوانات.

3- المصلحة المذكورة تستند في معطياتها إلى حسابات غير مفهومة تهدف إلى تجهيل الفاعل وتخالف نتائجها الواقع الفعلي الذي يشير إلى تجمع آلاف رؤوس الماشية يوميًا على ضفاف البحيرة وشربها من مياه البحيرة منذ سنوات (…)”.

 

ملاحظة: للاطلاع على نتائج التحليل المخبري للجامعة الأميركية يرجى الضغط على الرابط أدناه:

 

نتائج التحليل المخبري للجامعة الأميركية

 

 

فاديا جمعة

فاديا جمعة

صحافية وناشطة بيئية واجتماعية لبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى