مجتمع

الحدائق العامة والمنتزهات الطبيعية على الحدود مع فلسطين: انجازات تعزز الصمود والكرامة

يتهافت الأهالي في المنطقة الحدودية الى الحدائق العامة التي أنشأتها البلديات وعدد من الجهات المانحة، وبسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة، بدت هذه الحدائق المتنفس الوحيد المجاني الذي يؤمن حاجات المتنزهين المختلفة، لا سيما ملاعب الأطفال والكبار، وأماكن اللهو المتنوعة.

في بلدة شقرا (بنت جبيل)، ومنذ انتهاء فصل الشتاء، يتسابق أبناء البلدة والبلدات المجاورة الى الحديقة العامة، التي أنشأتها البلدية منذ عدة سنوات، وهي حديقة ساهم أبناء البلدة في تمويلها، اضافة الى اتحاد بلديات بنت جبيل.

عصر كل يوم يزداد عدد زوار الحديقة من الكبار والصغار، حتى أن معظم عائلات البلدة يفضلون السهر داخلها، حيث تم تجهيزها بعشرات المقاعد، يتسع كل منها لأكثر من عشرين فرداً، وفي الحديقة ملعب كبير لكرة القدم، وحديقة للأطفال مجهزة بالألعاب المختلفة، اضافة الى عدد كبير من المحلات التجارية، التي أمنت فرص عمل لأبناء البلدة، وهذه المحلات مهمتها تأمين حاجات الزوار، من الطعام والشراب، وخلافه.

وبحسب أحد الموظفين فان “هذا الانجاز الجبار الذي كلّف أموالا طائلة، ما كان ليتم لولا اصرار البلدية من جهة، وتقديمات المغتربين ورجال الأعمال الخيرين الذين تبرعوا لشراء الأرض قبل أن تعمل البلدية على التخطيط والبناء، وبمساعدة من اتحاد بلديات بنت جبيل”.

عشرات الأهالي الزائرين يعبّرون عن شكرهم لكل من ساهم في بناء هذا المتنفس الطبيعي الجميل، فتقول فاطمة عطوي “نقصد يومياً حديقة شقراء أو حديقة مارون الراس، نحضر أطفالنا الذين تم تأمين لهم الملاعب وحدائق الألعاب اللاّزمة، اضافة الى المسبح، ونحن بذلك نستطيع الجلوس والتمتع بمناظر الطبيعة الخضراء، نأكل من ما نحضره معنا، ونشتري لأطفالنا بعض حاجاتهم من المحال التجارية الموجودة، كل شيء مؤمن هنا بالمجّان، حتى أماكن الصلاة والنظافة، ما يمكننا من البقاء حتى ساعات متأخرة من الليل”.

ويلفت أحمد حسين الى أن “ما نشعر به في حدائق المنطقة العامة هو أننا أصبحنا نعيش بأمان في أكثر الأماكن التي كان يمنع علينا زيارتها أو الوصول اليها أثناء الاحتلال الاسرائيلي، فحديقة شقراء تشرف على وادي السلوقي، الذي كان ممراً للمقاومين لمواجهة العدو في مواقعه المشرفة على المنطقة، أما حديقتي مارون الراس وعيترون فشيدتا على الحدود مباشرة، في أراضي كان يمنع على المزارعين الدخول اليها، لكن ما يحصل اليوم أننا نستخدم هذه الأراضي في اللهو والاستجمام ونحن نشاهد جنود العدو وهم يختبئون خلف دشمهم”.

يرى رئيس اتحاد بلديات بنت جبيل ورئيس بلدية شقرا السابق، رضا عاشور أن “معاناة الأهالي الطويلة خلال الاحتلال، جعلتنا نتخذ القرار بضرورة العمل لانجاز ما يعزز صمودهم ويؤمن راحتهم، رغم الكلفة المالية العالية، الى أن حققنا ما نريده فتم انشاء حدائق، مارون الراس، شقرا، حانين، بنت جبيل، برعشيت وعيترون، اضافة الى حدائق عامة في مناطق أخرى”، ويبين أن “الاتحاد عمد بشكل مستمر على تأمين الدعم اللازم، سواء أثناء تشييد الحدائق، أم أثناء تشغيلها، ومع الوقت وزيادة حركة الزوار، باتت هذه الحدائق، مصدر رزق لعشرات الأهالي”.

أما المهندس المشرف على بناء حديقة مارون الراّس اسماعيل الزين، فيؤكد على أن “نجاح حديقة مارون الرّاس، بدعم بلدية طهران، شجع البلديات على انشاء العديد من الحدائق الأخرى، حتى أن عدد الزوار الكبير الذي كان يقصد حديقة مارون أدى الى توسعة الحديقة لتصبح مساحتها 50 ألف متر مربع، بدل 8000 متر مربع، وانشاء ملعب رياضي كبير، ومن ثم ملعب جهادي للأطفال والشباب، وقاعة ما ساهم في تعزيز روح الجهاد عند الأطفال، وتحطيم معنويات جنود العدو الذين يشاهدون فرح الناس وحضورهم بينما هم مختبئون خلف دشمهم”.

وفي وادي الحجير الذي غيّب خلال سنوات الاحتلال الطويلة، بينابيعه العذبة والغزيرة، وبأحراجه الخضراء الكثيفة بأشجار البطم والسنديان، عن أعين أبناء الجنوب اللبناني، ليتحوّل الى “خط التماس” الأول بين قرى الشريط المحتل، سابقاً والقرى المحررة، ومنطلقاً لرجال المقاومة، الذين قدّموا بين أشجاره العشرات من الشهداء والجرحى.

أصبح اليوم المنتزه الطبيعي الوحيد في المنطقة، يجمع حول مياهه يومياً عشرات الأهالي، فتحولت ينابيعه الى مسابح متنقلة، وأماكن للاستجمام، حتى أن مطاحن الوداي السبعة العتيقة التي يعود تاريخها الى أكثر من مئتي عام، استعادت عافيتها، بعد أن تم ترميم ثلاثة منها، لتعود من معالم الوادي المقصودة.

وقد استطاع اتحاد بلديات جبل عامل مع لجنة محمية وادي الحجير أن يفلح في وقف تجديد الرخص المتعلّقة، بإقامة الكسارات في نطاق المحمية، وتطبيق القانون المتعلق بانشاء المحمية، الصادر في 23 تموز 2010، الذي حدّد مكان المحمية ” في الأراضي التي هي ملك الدولة وضمن مشاعات بلديات القرى المحيطة، من مجرى نهر قعقعية الجسر، أسفل مدينة النبطية، حتى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل”.

ويبين مدير المحمية حسن زراقط أن “مساحة المحمية 26 كلم مربع، يضاف اليها المنطقة العازلة للمحمية والتي تبلغ 16 كلم مربع، وقد استطاعت ادارة المحمية بالتعاون مع اتحاد بلديات جبل عامل انشاء مركز للدفاع المدني داخل المحمية لمنع الحرائق، وانشاء خزانات اسمنتية لاستخدامها لاطفاء الحرائق، وتقديم الارشادات للأهالي، وزراعة 12000 شجرة حرجية، وسيتم زراعة حوالي 100 ألف شجرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي”، وقد استعانت ادارة المحمية بطلاب عدد من الجامعات لدراسة التنوع البيولوجي داخل المحمية، واحصاء أكثر من 110 نوع من الطيور، و100 نوع من الأشجار والنباتات، و58 نوعا من الحيوانات الثدية والزواحف.

كما استقبلت المحمية خلال السنوات الماضية، 127 وفداً سياحياً من 5500 شخص من طلاّب الجامعات والمدارس. ويذكر زراقط أن “المحمية ساهمت في تحريك العجلة الاقتصادية في المنطقة، لأنها تستقبل آلاف الزوار من مناطق مختلفة”.

في فيء أشجار “البطن” القليلة المتبقية في وادي السلوقي الواقع بين تلال بلدات مجدل سلم وشقرا وحولا وميس الجبل وقبريخا، ومع ارتفاع درجات الحرارة باقتراب فصل البيع، يتجمّع العشرات من الأهالي للتنزّه في المكان المتبقّي من الطبيعة الخضراء التي لم تكتسحها ورش البناء المتناثرة مع ارتفاع عدد سكان المنطقة بعد التحرير عام 2000. فأبناء تلك المنطقة يتسابقون لحجز فسحة من الأرض في ظلال أشجار البطن. ما يشير الى بدء فصل الربيع، في منطقة حرمت طوال زمن الاحتلال من التمتع بجمال الطبيعة الخضراء.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى