سياسة

ماذا يجري في كواليس التكليف؟

لا يبدو التجاذب حول الاسم، الذي سيكلّف الخميس المقبل بتشكيل الحكومة الجديدة، مجرد عارض سياسي طبيعي في مثل هذه الاستحقاقات الدستورية، بل هو يعكس النزاع المستمر حول هوية الأكثرية التي استولدتها الانتخابات النيابية الأخيرة.
وإذا كانت المبارزة الأخيرة في شأن انتخابات رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة المكتب وأمين سرّه قد انتهت الى فوز تحالف 8 آذار والتيار الوطني الحر على حساب قوى المعارضة المشتتة، فإن اختيار رئيس الحكومة المقبلة سيشكل مناسبة لمواجهة جديدة، قد تكون أشد شراسة وأبلغ دلالة في معانيها السياسية وفي ترجمتها لتوازنات ما بعد الانتخابات.

حزب الله وحلفاؤه سيسعون بطبيعة الحال الى تكرار أرجحيتهم النيابية حتى لا يُفرض عليهم رئيس مكلف “غير آمن” سياسياً. وبناءً عليه، فإن هامش المناورة والاستقلالية الذي يملكه التيار يجب أن يكون مدروساً بعناية، في رأي القريبين من 8 آذار، “حتى لا يتحول التمايز الى خاصرة رخوة في جسم الفريق العريض، قد يستغلّها الخصوم لمصلحتهم.”

ويبدو أن “الثنائي الشيعي” يتعاطى مع هذا الاختبار بكثير من الواقعية وبالتالي فهو يتجه نحو إعادة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي باعتبار أن “إرساله” يغطي عواصم دولية وإقليمية وازنة ومؤثرة، وهو الأقدر انطلاقاً من خبرته وتجربته في الحكومة الحالية على متابعة الملفات الحيوية خلال الاشهر الأربعة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى ما بعدها إذا تعذر انتخاب رئيس الجمهورية، بينما يملك التيار الحر معايير مغايرة في مقاربته لهذا الملف وهو يفضل استبدال ميقاتي “غير المتعاون” بشخصية أخرى.

وهناك من يفترض أن الـ “لا” البرتقالية لتسمية ميقاتي تؤشر إلى مرحلة من التفاوض الصعب والمعقد بينه وبين جبران باسيل عند بدء رحلة التشكيل.

أما أطياف المعارضة المبعثرة والتي تضم عدداً من الاحزاب والنواب الجدد، فتأمل في أن تثأر لانتكاستها السابقة وأن تستعيد المبادرة، ولذلك تحاول لملمة صفوفها وخوض الاستشارات بمقاربة مشتركة، أملاً في العثور على “إبرة” الأكثرية الضائعة وسط “قش” تبايناتها، وهي مهمة لن تكون سهلة في ظل الحسابات المتضاربة للنواب التغييريين وللجهات الحزبية مثل القوات والكتائب والاشتراكي. وتعلم الكتل المعارضة أن إخفاقها هذه المرة أيضاً في فرض إيقاعها سيشكل ضربة قاضية للانطباع الذي حاولت تكريسه عقب الانتخابات، ومفاده أن الأكثرية انتقلت من صفوف حزب الله وحلفائه الى الجهة الأخرى.

أكثر من ذلك، فإن سيناريو التكليف يمكن أن يشكل نواة للمنحى الذي سيسلكه الاستحقاق الرئاسي القريب أو ما يشبه “بروفة” أولية له، ولذا فإن نتيجة الاستشارات ستحمل مؤشرات تتجاوز إسم رئيس الحكومة الى رسم أولي لموازين القوى المحلية المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية.

وما يضفي أيضاً على امتحان التكليف أهمية إضافية هو الدور الأساسي لرئيس الحكومة على مستوى السلطة التنفيذية وبالتالي فإن كل طرف سيسعى بكل ثقله الى أن يأتي بالاسم الأكثر ملاءمة له.
واذا كان خيار ميقاتي لا يزال موضع أخذ ورد في الداخل بين مؤيد ومعارض، إلا أن “الاستشارات” الخارجية تعزز أسهمه، وسط الدعم الفرنسي والاميركي الذي يحظى به.

وهناك من يعتبر أن ميقاتي سيتأهل حكماً الى “الدور النهائي” من التصفيات الحكومية، حيث ينتظره الاختبار الأصعب المتمثل في التشكيل، ولكن ما ليس واضحاً بعد هو عدد الأصوات التي سينالها، وهل سيكون تكليفه ضعيفاً أم قوياً؟ علماً أن البعض يفضل تفادي حسم الامور من الآن في انتظار ما سيؤول إليه مخاض الايام القليلة المقبلة، آخذاً في الحسبان أن كل الاحتمالات تبقى واردة ولو أن ميقاتي متقدم على غيره في السباق.

 

عماد مرمل

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى