سياسة

تقاطع أميركي – أوروبي – “إسرائيلي” يدفع لحل أزمة الترسيم قبل أيلول!

أبو زيد لـ"أحوال": قرار أميركي يمنع استخراج نفط لبنان وقبول عروض مشاريع الطاقة الروسية

يعود ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” الى الواجهة بالتزامن مع تقدم مسارات المفاوضات في المنطقة والتوصل الى تسويات في الملفات الساخنة على رأسها الملف النووي الإيراني، في ظل تزايد الحاجة الأوروبية الى غاز البحر المتوسط بسبب أزمة الطاقة وتقنين الغاز الروسي الى الدول الأوروبية وارتفاع أسعاره وفرض موسكو دفع ثمنه بالروبل، إثر الحرب الروسية – الأوكرانية.

بعد دخول باخرة الاستخراج الإسرائيلية الى حقل كاريش ضمن المنطقة المتنازع عليها، تحرك الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين الى لبنان للقاء المسؤولين اللبنانيين، لكنه لم يقدم مقترحاً معيناً لحل أزمة الترسيم، بل تسلم المقترح اللبناني من رئيس الجمهورية ميشال عون، ليسلم بدوره المقترح الى الحكومة الإسرائيلية.

وفق معلومات “أحوال” فإن حركة الاتصالات تكثفت خلال الأسبوع الماضي بين الوسيط الأميركي ومسؤولين لبنانيين وتحديداً نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب كمفوض من رئيس الجمهورية بمتابعة هذا الملف، فضلا عن اتصالات دورية بين بو صعب والسفيرة الأميركية في لبنان دورثي شيا.

وكشف بو صعب أمس عن اتصال طويل مع هوكشتاين لبحث الرد الإسرائيلي على المقترح اللبناني، وقد لمس بو صعب اهتماماً أميركياً استثنائياً بملف الترسيم في هذه المرحلة غير كل المراحل السابقة، ما يعكس الاندفاعة الإسرائيلية لحل هذا الملف للإسراع باستخراج الغاز من كاريش والبلوكات المحاذية لتصديره الى أوروبا وفق العقود المبرمة بين الجانبين قبل حلول فصل الشتاء في القارة الأوروبية.
وهذا ما عكسته تصريحات وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، بقولها إن “اسرائيل مستعدة للتوصل إلى تفاهمات مع لبنان حول موارد الغاز في البحر المتوسط وملف ترسيم الحدود البحرية”، كاشفة أن “طاقم التفاوض الإسرائيلي يعمل طيلة الوقت للتوصل إلى توافق، وأن حكومتها قدمت عرضاً للوسيط”، وبرزت لغة الوزيرة التراجعية بإشارتها الى “عدم جدوى التهديدات بالتصعيد العسكري بين البلدين”.

وتتوقف المصادر الرسمية عند الاهتمام الأميركي – الإسرائيلي الغير مسبوق بملف الترسيم، مشيرة لـ”أحوال” الى بيان زارة الخارجية الأميركية بهذا الخصوص بأن “المفاوضات كانت مثمرة ودفعت بهدف تضييق الخلافات بين الجانبين، وستظل الولايات المتحدة منخرطة مع الأطراف في الأيام والأسابيع المقبلة”.

ويكشف دبلوماسيون متابعون لحركة الموفد الأميركي الى بيروت لـ”أحوال”، أن هوكشتاين جدد عرضه للمسؤولين اللبنانيين في زيارته الأخيرة الى لبنان، بالترسيم تحت الماء أو الاستثمار المشترك للحقول المشتركة بين لبنان و”إسرائيل”، أي أن تقوم شركة محايدة بالتنقيب في كافة الحقول الواقعة ضمن المنطقة المتنازع عليها وتبدأ باستخراج الغاز وتوزع الأرباح على الجانبين وفق المساحة التي يملكانها، لكن المقترح قوبل برفض لبناني حاسم كونه سيؤدي الى التطبيع النفطي وبالتالي الاقتصادي بطبيعة الحال، وهذا مناقض للدستور اللبناني.

وفي سياق ذلك، يشير مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الروسية النائب السابق أمل أبو زيد لـ”أحوال” الى تقاطع مصالح أميركي – أوروبي – “إسرائيلي” على حل ملف الترسيم مع لبنان، لأسباب سياسية واقتصادية، أهمها الحاجة الأوروبية لمصادر طاقة بديلة علن الغاز والنفط الروسي، والثاني حاجة أميركا لتشديد الحصار الاقتصادي على روسيا بمنعها من تصدير غازها الى دول العالم بما فيها أوروبا، ولهذا السبب حصلت الحرب الروسية – الاوكرانية، فضلاً عن حاجة “إسرائيل” لاستثمار غازها وتصديره الى أوروبا.

وطُرحت في الأوساط خطورة معادلة “قانا مقابل كاريش” الذي أثبتت الدراسات اختزانه كميات هائلة من الغاز، لذلك تسارع إسرائيل لاستثماره، في مقابل أن الثروة الموجودة في حقل قانا وجواره مجرد دراسات غير مثبتة، وقد يظهر عدم وجود أي مواد نفطية فيها رغم القرب الجغرافي بين الحقلين والطبيعة الجيولوجية المشتركة، ما يحتم على لبنان التريث بالمطالبة بالحقول قبل التأكد من وجود الغاز فيها.

ويشير الخبير والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين لـ”أحوال” الى أن “هيئة المسح الجيولوجي الاميركية أجرت مسحاً شاملاً لسواحل المتوسط وظهرت نتائجها في العام 2009 وتبين وجود 123 تريليون قدم مكعب من الغاز، وأجريت عملية الاستكشاف والتنقيب بعدة دول بمصر وقبرص ولدى الاحتلال الاسرائيلي، تبين بحقل زغر المصري وهو أكبر استكشاف فيه 30 تريليون متر مكعب من الغاز، و17 في فلسطين المحتلة و10 في قبرص، ما يعني أن القسم المتبقي موجود في مياه سوريا ولبنان، كما أظهرت نتائج استكشافات شركة سبكتروم ولاحقاً الشركة النروجية وجود كمية مهمة وواعدة بالبحر اللبناني، وهذه الكميات تقدر بعشرات مليارات الدولارت”.

ويُسلط ناصر الدين الضوء على أهمية البلوك 8، كون أنبوب المتوسط الذي سينقل الغاز الى أوروبا سيمر من هذا الخط، ما يمنح لبنان حق مرور الطاقة في منطقة اقتصادية خالصة، وبالتالي قيمة مالية كبيرة، ما يفرض على الدولة اللبنانية رفض مقترح هوكشتاين (الحقل المتعرج لقضم بلوك 8 مقابل منحنا قانا والتنازل عن كاريش”.

كما يطرح هوكشتاين بحسب ناصر الدين اقتراح الترسيم تحت الماء الذي يعطي لبنان الخط 23 وتحت الماء يعطي البلوك 8 لـ”إسرائيل”.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن شركة توتال هي جزء من منتدى شرق المتوسط للغاز التي تضم العدو الإسرائيلي. وتساءل: لماذا لا تبدأ توتال بالاستخراج على بعد 25 كيلومتراً من مكان النزاع؟ متهماً فرنسا بوقف التنقيب في البلوك 4 بقرار من الأميركيين لأسباب سياسية.

بدوره، يرى أبو زيد أن أوروبا تحتاج الى 950 مليار متر مكعب سنوياً، وتحتاج المانيا لوحدها 50 مليار، ما يعني أن أوروبا بحاجة الى مصدر جديد من المتوسط. كاشفاً أن الكميات الموجودة في مصر و”إسرائيل” لا تكفي وكميات قبرص ليست مهمة. ويكشف أبو زيد أن “آخر دراسة لمؤتمر الطاقة في موسكو أثبتت بأن لا بديل عن مادة الغاز بالحد الأدنى لـ 65 عام المقبل”.

ويكشف أن “تقرير شركة نوفاتيك الروسية التي نقبت في البلوك رقم 4 قبالة البترون يحتوي على كميات كبيرة من الغاز”، متسائلاً: “لماذا أغلق الملف ويمنع على لبنان استخراج الغاز والنفط من بلوكاته؟”، مشيراً الى أن السبب يتعلق بتوطين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان والسلام مع “إسرائيل”.

ويكشف أبو زيد أيضاً أن “روسيا عرضت على لبنان بشكل رسمي الاستثمار بالحقل النفطي والطاقة والكهرباء في لبنان، وبناء معامل للكهرباء عبر التمويل “بي أو تي”، ووافق رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي بحث الملف مع المسؤولين الروسي خلال زيارته الأخيرة الى روسيا”. وشدد أبو زيد على أن “الأسباب السياسية عرقلت كل هذه المشاريع، انطلاقاً من وجود قرار يمنع الشركات الروسية من الاستثمار في لبنان”.

ويسأل أبو زيد: لأي تحالف نفطي – غازي سينضم لبنان في حال وقع اتفاقية لترسيم الحدود مع “إسرائيل”؟ هل خط “إسرائيل” – قبرص – اليونان – مصر أو مع تحالف آخر ستكون فيه روسيا لاعباً أساسياً؟.

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى