موسم الحرائق بدأ مُبكراً: هل نشهد سنة كارثية أُخرى؟
يبدو أنّ موسم الحرائق في غابات وأحراج لبنان بدأ باكراً هذه السنة، بعد اندلاع حرائق عديدة في أكثر من منطقة، برغم ما توقّعه كثيرون أن تتأخر الحرائق هذه السّنة بعضاً من الوقت نتيجة امتداد فصل الشّتاء وهطول الأمطار وتساقط الثلوج حتى مطلع شهر أيّار، بعدما شهد فصل الشّتاء هذا العام 6 موجات ثلجية، على عكس المعتاد الذي يشهده لبنان عادة، بين 2 ـ 4 موجات، ما ترك إنطباعاً أنّ المناطق الحرجية ستبقى رطبة لفترة أطول، وأنّ الحرائق لن تندلع فيها في وقت مبكر هذه السّنة.
فقد شهدت نهاية الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الجاري إندلاع حرائق عديدة وواسعة في أكثر من منطقة لبنانية، كان لعكّار والضنّية نصيب وافر منها ما جعل أجواء الخشية تخيّم على المعنيين والنّاشطين البيئيين والأهالي، خوفاً من أن يشهد العام الجاري موسم حرائق كارثي على غرار العام الماضي.
ففي الضنّية، شهدت المناطق الحرجية فيها إندلاع 4 حرائق صغيرة ومتوسطة الحجم، كان من بينها حريق شبّ قرب حرج السّفيرة للصنوبر البرّي، الذي يعتبر أكبر حرج من هذا النوع في لبنان، إذ تزيد مساحته على 3 ملايين متر مربع تقريباً، إضافة إلى حريق إندلع في حرج يقع في خراج بلدة عاصون، عدا عن عدّة حرائق شبّت في مكبّات وأكوام عشوائية للنّفايات مرمية وسط الأحراج أو قربها، أو قرب مجاري الأنهر وينابيع المياه والمناطق السكنية، الأمر الذي ترك آثاراً بيئية وصحية سلبية.
وفي عكّار، إندلعت خلال الأيّام الثلاثة الماضية حرائق عدّة في مناطق حرجية كالتي شهدتها بلدة القبيات، التي نكبت العام الماضي بيئياً وصحياً بسبب الحرائق الضخمة التي شهدتها، حيث واجه عناصر الدّفاع المدني صعوبات عدّة للتمكن من إخماد النيران، نظراً لعدم توفر الطرقات التي تشكل عائقاً أمام وصول آليات الإطفاء.
غير أنّ حرائق عكّار الأخيرة لم تقتصر على الغابات والأحراج، بل كان لمكبّات النفايات العشوائية النصيب الأوفر منها، التي يقع أغلبها بين أو قرب مناطق حرجية أو مجاري الأنهر والأودية، وخصوصاً الحرائق التي اندلعت في أكثر من مكبّ يقع في الوادي الممتد بين بلدتي فنيدق ومشمش، حيث واجه عناصر الدّفاع المدني والبلديات والأهالي صعوبات قبل التمكّن من إخمادها.
هذه الحرائق دفعت النّاشط وعضو جمعية “درب عكّار لإخماد الحرائق” خالد طالب إلى التحذير من “احتراق أكبر مكبّين للنّفايات في بلدة فنيدق ومشمش خلال أسبوع، وضع آلاف السكّان تحت خطر إستنشاق الإنبعاثات السّامة، وأنّ كمية هذه الإنبعاثات كافية أن تخنق البلدة وجوارها، وبأنّ الخطر البيئي الأكبر يكمن بأنّ مكبّي النفايات يقعان في الوادي نفسه تقريباً، وأنّ الرّياح التي ستهب في الوادي ستجعل الإنبعاثات السّامة تتشعب باتجاه القرى المحيطة كلها تقريباً”.
وأوضح طالب أنّه “برغم عدم إختصاص فريقنا في حرائق النّفايات، إلاّ أنّه وضعنا أنفسنا بمواجهتها رأفة بأهلنا وحفاظاً على صحتهم”، محذّراً “من إضرام النار في أكوام النّفايات أو بجوارها، لما في ذلك من خطورة على الصحّة العامّة وجودة الهواء وتلوث المياه وتهديد حياة فرق الإطفاء”، مشيراً إلى أنّ “أيّ حلّ يلزمه آليات ثقيلة وجرافات لنبش النفايات وتبريدها في وقت لاحق بالمياه”.
إندلاع موسم الحرائق مبكّراً هذا العام، وبشكل كبير ومقلق، أعاد إلى الأذهان جرس الإنذار الذي قرعته “جمعية درب عكّار” العام الماضي، خوفاً من أن يتكرّر الأمر على نحو كارثي أيضاً هذه السّنة، لأنّ أيّ إجراءات وقائية لم تتخذ من قبل أيّ جهة مسوؤلة، عندما حذّرت الجمعية من “الخطر البيئي الذي يُهدّد أحراج وغابات المنطقة”، وعندما كشفت في تقرير لها أنّ “المساحة الحرجية التي تضرّرت بسبب الحرائق التي اندلعت في عكّار 2021، قد بلغت 2580 هكتاراً، كان أكبرها الحريق الذي اندلع في وادي جهنّم الفاصل بين عكّار والضنّية، والذي قضى على 210 هكتارات من المناطق الحرجية”، معتبرة أنّ “موسم الحرائق عام 2021 في المنطقة كان كارثياً”، ولافتة إلى أنّه “يمثل معدّل 3 سنوات من الحرائق على مستوى لبنان”.
عبد الكافي الصمد