منوعات

“النفط” الخيار الأخير لإنقاذ لبنان من الانهيار الكبير.. فهل تُلزم شركات إيرانية؟

خبير يتوقع تجميد "إسرائيل" أعمال التنقيب على الحدود بعد تهديد نصرالله

لم يكن طرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ملف استثمار الثروة النفطية اللبنانية في خطابيه المتتاليين في أقل من 24 ساعة، محضُ صدفة، بل كان مقصوداً ورسم خلاله سياسة حزب الله والقوى الحليفة في المرحلة المقبلة ما بعد انتهاء الانتخابات النيابية.

لم يعد خافياً أن لبنان انزلق إلى قاب قوسين أو أدنى من قعر الهاوية نتيجة الانهيارات الاقتصادية والمالية المتتالية والمستمرة، في غياب أي خطة حكومية لتنفيذ هبوط آمن قبل الارتطام الكبير، وفي ظل استمرار الحصار الخارجي الأميركي – الخليجي المفروض على لبنان منذ سنوات والذي لا يبدو أنه سينتهي في الأمد المنظور قبل حصول تسوية إقليمية – دولية على سلة ملفات من ضمنها لبنان.

ومن شبه المحسوم أيضاً أن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لن تفضي إلى اتفاق مضمون التنفيذ قبل سنوات في ظل الخلاف الداخلي حول مقاربة الأزمة والحلول وتوزيع الخسائر وكيفية النهوض، وتأثر إدارة الصندوق بالأجواء السياسية الدولية الضاغطة على لبنان.. وإن وفى الصندوق بوعده بمنح لبنان 3 مليار دولار على 4 سنوات، فلن “تُسّمن أو تغني من جوع” خزينة الدولة المفلسة وجيوب الشعب الفارغة ولا خزائن المصارف ومصرف لبنان المنهوبة والمحولة، وبالتالي لن تستطيع إطفاء الفجوة المالية والديون الخارجية والداخلية المقدرة بأكثر من مئة مليار دولار.

ووفق تقييم المعنيين بالأوضاع الداخلية وبحسب عدد من الخبراء الماليين والاقتصاديين، فإن لبنان لن يستطع البقاء على قيد الحياة لوقت طويل في ظل الانحراف الحاد الاقتصادي والمالي والاجتماعي القائم، حتى حصول أمر من اثنين: إنجاز ملف ترسيم الحدود ما يسمح للبنان باستثمار ثروته النفطية، والثاني حصول لبنان على مليارات صندوق النقد. ويخلص المعنيون والخبراء إلى حتمية وصول البلد الى الانفجار الاجتماعي الكبير وبالتالي الأمني خلال الشهور المقبلة.

لن يسمح حزب الله بحسب مصادر مقربة الوصول الى نقطة الهاوية، لاعتبارات عدة سياسية واقتصادية وأمنية واستراتيجية – إقليمية، وضرورات الصراع في المنطقة، إذ أن الحزب لن يمرر للأميركيين تحقيق سياسة قلب “طاولة البلد” على رأسه لإغراقه في فوضى اجتماعية قد تتطور الى حرب أهلية عسكرية، لذلك تضع “الضاحية” نفط لبنان هدفاً استراتيجياً على رأس خريطة أهدافها، يستوجب خوض معركة تحرير وحماية وردع طويلة لا تقل أهمية عن حرب التحرير والردع مع “إسرائيل” والإرهاب.

وتبين القراءة بين سطور كلمات نصرالله الربط بين ملف النفط والانتخابات النيابية، إذ يريد الأميركيون والخليجيون ومن خلفهم الإسرائيليين، هزيمة الحزب وحلفائه في تحالف المقاومة والتيار الوطني الحر، لتحجيم حضوره وإضعاف موقعه في الحكومة والدولة والمؤسسات، ما يسمح للعدو بتوسيع هامش المناورة للسطو على الحقوق اللبنانية بلا أي ردة فعل من المقاومة.

انطلاقا من هذه المقاربة والوقائع، وإزاء انسداد أفق الحلول واشتداد أوار الحصار الخارجي لدرجة احجام دول العالم الغربي والعربي والخليجي حتى عن تقديم باخرة نفط واحد للبنان في ذروة الأزمة، يُسلم المعنيون بأن لم يعد هناك من وسيلة لإنقاذ البلاد والعباد سوى الثروات “المدفونة” في باطن البحر في المياه الإقليمية اللبنانية.

لا شك أن غوص نصرالله في تفاصيل هذا الملف ورسمه لإطار تحرك المقاومة وترسيم الأدوار والحدود بينه وبين الدولة، كان يمهد للخطوات المقبلة التي سيخطوها أكان على مستوى الحكومة الجديدة فور تشكيلها أم على مستوى العمل المقاوم وخيار التوجه شرقاً نحو دول بديلة عن الأميركيين والأوروبيين كروسيا وايران والصين.

وضع نصرالله “اجر بالبور واجر بالفلاحة”، كما يقول المثل الشعبي، فمن جهة ترك مسؤولية مهمة استكمال ترسيم الحدود البحرية إلى الدولة، ومن جهة ثانية قدم المقاومة كقوة ضامنة للحقوق النفطية والغازية، لكنه لم يقل إنه يحل مكان الدولة وسيرسم الحدود واستخراج النفط، بل دعا الدولة للترسيم واسترجاع وتثبيت الحقوق ووضع المقاومة في تصرفها لحماية كنز لبنان الأسود.

ومهد نصرالله لاستخدام قوة المقاومة العسكرية لحماية الحقوق اللبنانية وردع العدو عن الاقتراب منها الى حد تهديد الشركات التي ستنقب في المنطقة المتنازع عليها بـ”المسيرات”، ويتوقع خبراء عسكريون واستراتيجيون لـ”أحوال” أن تجمد “إسرائيل” أعمال التنقيب، وأن تحجم الشركة عن البد بأعمالها خشية استهدافها.

وإذ يرجح الخبراء استئناف التفاوض غير المباشر بين لبنان والعدو الإسرائيلي في ملف الترسيم، يشير المطلعون الى أن الحزب لن ينتظر مدة طويلة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة والتي حددها رئيس مجلس النواب بشهر واحد، كما لن ينتظر الحزب نتيجة هذه المفاوضات التي قد تطول، لذلك سيعيد إحياء العرض الذي كشف عنه الصيف الماضي بتلزيم شركات إيرانية وروسية التنقيب عن النفط البلوكات النفطية إذا رفضت الشركات الحالية عن ذلك.

ويعتبر المطلعون أن هذا الخيار، سيكون الورقة الأخيرة بيد لبنان، إذا استمر الأميركيون و”الإسرائيليون” بمنع لبنان من استخراج نفطه في مختلف البلوكات. لكن المطلعون يتوقعون أن يعيد الأميركيون مراجعة حساباتهم وسياساتهم في لبنان بعد تظهير نتائج الانتخابات المقبلة التي ستدفن خطة وزير الخارجية الأميركية الأسبق مايك بومبيو، والتي بدأت تنفيذها في آذار 2019.

وإذ يستبعد الخبراء أن يؤدي النزاع النفطي والحدودي إلى حرب عسكرية في الجنوب، يشيرون إلى أننا أمام ثلاث خيارات: استمرار التفاوض والتوصل الى حل وسطي ضمن المنطقة الواقعة بين الخطين 23 و29، أو المراوحة، أو إعلان الحكومة الجديدة من الشركات الحالية استئناف التنقيب تحت طائلة فسخ عقود التلزيم معها واستدراج عروض مع شركات أخرى قد تكون إيرانية أو روسية.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى