الراعي متوجها الى السياسيين والقضاة: كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي “كابيلا القيامة” عاونه فيه المطارنة بولس عبد الساتر، حنا علوان وبيتر كرم، الأب ميلاد السقيم ومشاركة عدد من الكهنة والراهبات، في حضور الرئيس امين الجميل، رئيس الرابطة المارونية الدكتور السفير خليل كرم، جماعة الرحمة الإلهية، عائلة المرحوم المختار شاكر ياغي، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الدكتور الياس صفير، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان: “يا توما، انظر يدي، وامدد يدك في جنبي”، قال فيها: “في مساء اليوم الاول من قيامته ظهر يسوع للتلاميذ، والابواب موصدة، واراهم يديه ورجليه (يو 20:20). وهي علامة ذبيحة ذاته بالحب الاعظم لفداء خطايا البشرية جمعاء، وعلامة انتصاره بالقيامة على الخطيئة والموت لبث الحياة الالهية في كل مؤمن ومؤمنة. هذه العلامة المزدوجة تدل على استمرارية موته وقيامته في ذبيحة القداس، لفداء الخطايا والحياة الابدية، بفيض من الرحمة الالهية. اجل، من ذبيحة المسيح المقدسة تنبع الرحمة الالهية التي تحتفل الكنيسة بعيدها اليوم. وقد حدده القديس البابا يوحنا بولس الثاني الحاضر معنا بذخائره في الاحد الجديد من كل سنة، كما اراد الرب يسوع ذلك وكشفة للقديسة الراهبة فوستينا، الحاضرة هي ايضا من خلال ذخائرها”.
وتابع: “يسعدنا ان نحتفل معا بهذا العيد، ومعنا جماعات الرحمة الالهية في لبنان. فارحب بها وبسيادة اخينا المطران بولس عبد الساتر، رئيس اساقفة بيروت المشرف عليها، وبمرشدها العام الاب ميلاد السقيم المرسل اللبناني، وسائر المرشدين. تعنى جماعات الرحمة الالهية بنشر عبادتها وتساعيتها، وتكريم ايقونتها، وصلاة المسبحة، وصلاة الساعة الثالثة كل يوم حيثما وجد اي عضو من اعضائها. نشكر الله على تزايد عدد الجماعات سنة بعد سنة، وهي تفوق العشرين جماعة في مختلف المناطق. تستمد الجماعات روحانيتها من روحانية الرحمة الالهية التي عاشتها وشهدت لها القديسة الراهبة فوستينا ودونتها في يومياتها بشعار رحمة الله في داخلي. من كلمات الرب يسوع لها: لا اريد ان اعاقب بشرية متألمة، بل اريد ان اشفيها ضاما اياها الى قلبي الرحوم. اود ان أوجه تحية خاصة الى عائلة المرحوم المختار شاكر ياغي الذي ودعناه بالكثير من الاسى معها ومع اهالي العاقورة العزيزة منذ اربعين يوما. نجدد التعازي الحارة لزوجته ولابنه المختار بولس وابنته ماجدة، وارملة ابنه المرحوم ماجد، جويس حنا قضيب، ولكل انسبائه، ونصلي لراحة نفسه في الملكوت السماوي”.
وأضاف: “في ظهور يسوع القائم من الموت للتلاميذ، ودعوة توما ليمد يده الى جرحه تذكير له “بمشهد طعنه بحربة في جهة قلبه الذي جرى منه دم وماء” وهو ميت على الصليب(يو34:19). فاعتبره يوحنا في انجيله “حقيقة الايمان”(يو 35:19). وهذا ما اكده الرب يسوع عندما قال لتوما: “هات اصبعك وانظر يدي. وهات يدك وامددها في جنبي، وكن مؤمنا لا غير مؤمن” (يو27:20). فاعلن توما ايمانه بيسوع الاله من خلال رؤية يسوع الانسان، هاتفا: ربي والهي (يو28:20). المشهد اياه ظهر به يسوع للراهبة فوستينا للمرة الاولى في 22 شباط 1931، واقفا بكل قامته، مرتديا رداء ابيض. يده اليمنى مرفوعة تبارك، واليسرى تلامس رداءه من مستوى قلبه، ومنه يسطع شعاعان: واحد أحمر والآخر أبيض. وطلب اليها ان ترسم لوحة هذا المشهد وتكتب في اسفلها:”يا يسوع انا اثق بك” وان تكرم الصورة في جميع كنائس العالم، وان يعلم الكهنة عظمة رحمة يسوع، ويساعدوا على ارتداد الخطأة. وتكرر المشهد اياه في ايار 1933، وفي كانون الاول 1935. وشرح معنى الشعاعين: الشعاع الابيض هو الماء الذي يطهر نفوس الخطأة، والاحمر هو الدم الذي منه حياة النفوس. هذا المشهد جرى منذ الفيَ سنة. قرأت الكنيسة في الماء رمز العمودية التي تغسل النفس من الخطايا ، وفي الدم رمز الافخارستيا التي تعطي الحياة الجديدة. وكلاهما تنبعان من الرحمة الالهية. ان تجلي الرحمة الالهية يخاطب ضمير الانسان الذي يسعى الى القضاء على فكرة الرحمة، واستئصالها من قلبه. ولهذا يتخبط في ازماته الروحية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. لا يستطيع الانسان وبخاصة المسؤول ان يخنق صوت الله في داخله، وهو الضمير، الداعي الى الرحمة، كأساس لمعاملة الله لنا بالرحمة: طوبى للرحماء، فانهم يرحمون (متى 7:5)”.
وقال: “كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟ انتم الذين تعرقلون التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت؟ ومعه تغيير المحققين العدليين الواحد تلو الآخر؟ والتعيينات القضائية؟ ولماذا اغتيال اشخاص يملكون معلومات وصورا؟ ولماذا يوجد متهمون فارون من وجه العادلة؟ اذا كان الانفجار قضاء وقدرا، لماذا أنتم خائفون من التحقيق؟ كيف تخنقون صوت الله في ضمائركم؟ أيها القضاة الذين تفبركون الملفات بناء على طلب النافدين، وتوقعون الظلم وتشوهون وجه القضاء، وتقوضون اساس الملك؟”.
اضاف: “أنتم أيها المسؤولون الذين تحرمون اهالي الشهداء والمتضررين من التعويضات الواجبة؟ وتبقون نصف العاصمة مدمرا، وتكتفون باعلان عجزكم عن اعادة اعمارها، فتظل ممتلكاتها المتضررة سائبة وعرضة للبيع لاطراف مجهولي الهوية”.
وعن الانتخابات، قال: “فيما يقترب موعدها، ندعو الشعب الى انتخاب ما يلبي حاجته الى مجلس جديد يكون على مستوى التحديات التي تنتظره، وفي مقدمها انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده الدستوري. بحيث يعمل على تحديث علاقات المكونات الميثاقية في ظل دولة قادرة على استيعاب التعددية واحتضان الجميع في نظام لامركزي موسع. ويعمل ساعيا على ان يتوحد الولاء، ويلتزم بالحياد، وتطوى جميع المشاريع الدخيلة على وطننا ومجتمعنا، وتتساوى النظرة إلى لبنان، وينظر الأفرقاء إلى بعضهم البعض كشركاء واخوة، لا كأعداء وإقصائيين. ويصب الرئيس الجديد قواه على تعزيز استقلال لبنان وسيادته وهويته الأصيلة من خلال شرعيةملتزمة بالدستور والميثاق. انطلاقا من هذا الوعي، يكون واجب المواطنين أن يختاروا من يرون فيهم القدرة الوطنية والمعرفية، ومن يثبتون على مواقفهم اللبنانية فلا يتلونون ولا يخافون ولا يساومون ولا يقايضون على الثوابت من أجل بلوغ المناصب”.
وتابع: “اما الموضوع الذي يشغل بال المواطنيين ويقلقهم انما هو اموالهم المودعة والارباك الناشىء حول مشروع الكابيتال كونترول، فمن واجب الحكومة أن توضح للناس مصير أموالهم وانعكاس أي تشريع جديد على حرية التصرف بها. وبالمناسبة ليست كل معارضة بشعبوية وليس كل تأييد بموضوعي. من حق الناس والقوى السياسية أن تعارض كل ما هو ضبابي وغامض وملتبس ومشبوه ويمس بحقوق الشعب وبالنظام الاقتصادي اللبناني الحر وبقواعد العمل المصرفي. فإذا كان التفاهم مع صندوق النقد الدولي أمرا مستحسنا، فالحفاظ على حقوق الناس وأموالهم أمر مقدس”.
وعن غرق المركب، قال: “آلمنا بالامس غرق زورق قبالة ساحل مدينة طرابلس، كان ركابه يحاولون الهرب بطريقة غير شرعية من واقع مرير بعيشونه. فاننا اذ نهنئ الناجين بالسلامة آملين نجاة من لم يزالوا مفقودين، نعزي عائلات قضوا في هذا الحادث المريع سائلين الله ان يرحمهم ويعزي قلوب عائلاتهم”.
وختم الراعي: “نصلي الى الله كي يحافظ كل انسان ما زرع له في قلبه من رحمة، تجمل انسانيته، وتجعله حقا على صورة الله ومثاله. للاله الغني بالرحمة كل مجد وتسبيح الآن والى الابد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.