هل بدأت عملية رفع سعر الصرف الرسمي تدريجيًا؟
منذ بداية الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان، اتّجهت الأنظار الى احتياطات المصرف المركزي بالعملات الصعبة، ومدى قدرته على استكمال سياسة الدعم للمحروقات والطحين والدواء والسلة الغذائية.
وعلى الرغم من تصاعد هذه الأزمة مع إعلان المركزي اقتراب احتياطاته من الـ 17 مليار دولار، وهي الاحتياطات الإلزامية التي لا يمكن للمصرف التصرف بها، إلا أن ذلك لم يخفّف من وطأة أزمة أخرى بدأت تتكشّف معالهما، وهي الانخفاض الكبير في واردات الخزينة اللبنانية، لا سيّما بعد تدني قيمة العملة الوطنية.
حل المعضلة الجديدة لا يحتاج إلى الكثير من الغوص في التفاصيل الاقتصادية، فالدولة اللبنانية تستوفي وارداتها من رسوم وضرائب وغيرها، وفق السعر الرسمي المحدد بـ1515 ليرة لبنانية، وزيادة هذه الواردات يحتاج الى تعديل سعرها ليتناسب مع سعر السوق السوداء، الذي يلامس الـ9 آلاف ليرة.
من هنا، جاء طلب مدير الواردات في وزارة المالية، لؤي الحاج شحادة، بـ”تعديل السعر الرسمي للعملات الأجنبية بغية استيفاء الرسوم الجمركية والضريبية على القيمة المضافة عند الاستيراد”، عبر كتاب رسمي موجّه الى مدير عام المالية، اطّلع موقع “أحوال ميديا” على نسخة منه.
شحادة يبرّر اقتراحه باعتبار أن “الارتفاع البسيط في أسعار السلع الذي سوف يظهر في السوق، وينعكس على المستهلكين النهائيين، يمكن معالجته والحد من انعكاسه السلبي عليهم، وذلك من خلال اعتماد مباشر للمستهلكين اللبنانيين عبر تزويدهم ببطاقات تموين أو غير ذلك من تدابير مماثلة”.
هذا الطلب أعاد الى الواجهة إماكنية رفع سعر الصرف الرسمي الى 3900 ليرة لبنانية، فالسير بهذا الأمر لا يمكن أن يكون يتيمًا، حيث سيستكمل ليشمل مختلف الضرائب والرسوم التي تموّل الخزينة اللبنانية.
وفي هذا الصدد، أشار رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة، ايلي قزي، في حديث خاص لـ”أحوال” إلى أن “هكذا قرار يزيد من صعوبة الأزمة في البلاد، اذ أنه يشمل كافة السلع التي تدخل عبر الحدود، فمثلاً السيارة التي كان رسم جمركها 20 مليون ليرة، سيصبح 60 مليون”.
ويلفت قزي في حديثه إلى أن الهيئات الاقتصادية طلبت لقاء مدير عام المالية لاستطلاع رأيه، قائلًا: “وفق تجربتي، في حال اتُخذ القرار برفع سعر الصرف رسمياً، فمن شبه المستحيل أن يتم التجاوب مع مطالبنا”.
مصادر مطلعة على هذا الملف، تُشير الى أن تبرير شحادة لإنعكاسات هكذا قرار تبدو غير واقعية، خصوصاً أن البطاقة التموينية تعترضها العديد من العراقيل، فهي ستموَّل بحال اعتمادها من العملة الوطنية، وهذا ما يعني طباعة المزيد من العملة اللبنانية مع ما يحمله هذا الاجراء من زيادة للتضخم.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي والمالي، الدكتور إيلي يشوعي، في حديث لموقعنا، أنه من الصعب التعويل على أن يؤدي قرار رفع سعر الصرف الرسمي الى تراجع الاستيراد، وبالتالي الحد من زيادة الطلب على العملات الصعبة، إذ أن الاقتصاد اللبناني “غير إنتاجي”، وهذا يعني أن الاستيراد سيستمر ولو بوتيرة أقل.
من جهته، يؤكد نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، لـ”أحوال” أن “الموافقة على طلب شحادة مستبعد تماماً، حتى أنه غير وارد في الوقت الحالي”، مضيفًا: “هذا القرار يمكن أن يأتي ضمن سياق رفع المصرف المركزي لسعر الصرف الرسمي، إلا أن معلوماتنا تفيد بأن هذا التوجه لم يتحول الى قرار لغاية اليوم”.
مهدي كريّم