الحَراك المدني في “عروس الثورة”: إنقسامٌ وتشرذم
عندما أُقفل باب الترشّح للإنتخابات النيابيّة المرتقبة في 15 أيّار المقبل، توجّهت الأنظار نحو مدينة طرابلس، التي تؤلّف مع الضنّية والمنية دائرة الشّمال الثانية، من أجل معرفة معالم الطريق الذي سيسلكه مرشّحو المجتمع المدني وحَراك 17 تشرين وقوى الثورة، ومدى قدرتهم على تحقيق ما يصبون إليه من أهداف في التغيير، رفعوها منذ اندلاع شرارة الحَراك الشّعبي في 17 تشرين الأوّل من عام 2019.
هذا الإهتمام الإنتخابي بطرابلس ودائرتها لم ينبع من فراغ، فعاصمة الشّمال إستحقت منذ الأيّام الأولى لاندلاع شرارة الحَراك لقب “عروس الثورة”، نظراً للنّشاط اللافت الذي شهدته على مدى أشهر متتالية من نشاطات قامت بها مجموعات الحراك المدني على اختلافها، إستطاعت عبرها خلاله تحريك الشّارع الطرابلسي والشّمالي، وأثبتت حضوراً توقّع كثيرون أن يثمر حضوراً شعبياً وسياسياً في الإنتخابات النيابيّة.
وارتفع منسوب التفاؤل في قطف محرّكي “الثورة” ما زرعوه بعد انسحاب الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل من المشهد الإنتخابي، وعزوف الرئيس نجيب ميقاتي عن الترشّح للإنتخابات النيابية، ما اعتبره كثيرون من شخصيات ومجموعات ضمن الحَراك المدني فرصة مناسبة ولا تعوّض لتصدّر المشهد وملء الفراغ، واغتنام غياب أكبر تيّارين في المدينة وعلى السّاحة السنّية للدخول إلى معترك العمل السّياسي من بابه العريض.
وتمثلت إندفاعة مرشّحي الحَراك والمجتمع المدني في وصول عدد المرشّحين في دائرة الشّمال الثانية إلى 141 مرشّحاً، إنسحب منهم 4 مرشّحين فقط، ما فُسّر على أنّه حماسة من قبل مرشّحي التغيير لخوض الإستحقاق النيابي حتى النّهاية.
غير أنّ الإنقسامات والخلافات سرعان ما دبّت بين مرشّحي ومجموعات الحَراك والمجتمع المدني، بسبب التباين بينهم، والأنانية والطموحات الشّخصية لكلّ منهم، وارتباط كلّ شخص أو مجموعة منهم بجهات داخلية أو خارجية تدعمهم وتمولهم، ما جعل توافقهم على تشكيل لائحة واحدة أو لائحتين على الأكثر أمراً متعذّراً وصعب المنال.
وبرزت هذه الإنقسامات والخلافات في تشكيل اللوائح؛ ففي حين أنّ القوى السّياسية الرئيسية أكملت تقريباً عقد تأليف لوائحها، وهي خمسة، توزّعت على لوائح المتمردين على الحريري، والمقربين من الرئيس نجيب ميقاتي، وتحالف النائبين فيصل كرامي وجهاد الصّمد، وتحالف الوزير السّابق أشرف ريفي والقوّات اللبنانية وتحالف الجماعة الإسلامية مع آخرين، فإنّ لوائح مرشّحي الحَراك والمجتمع تكاثرت كالفطر، وهي مرشّحة لأن تتزايد أكثر وصولاً إلى اليوم الأخير قبل إقفال باب تأليف اللوائح منتصف ليل الإثنين ـ الثلاثاء المقبل.
ثلاث لوائح من مرشّحي الحَراك والمجتمع المدني وُلدت حتى الآن في دائرة الشّمال الثانية، ستتنافس مع لوائح أخرى على الفوز بـ11 مقعداً (8 سنّة، 1 روم أرثوذكس، 1 مورانة و1 علوي)، الأولى هي لائحة “الجمهورية الثالثة” برئاسة عمر حرفوش من 9 أعضاء، ولائحة الإستقرار والإنماء من 10 أعضاء مدعومة من حركة “سوا للبنان” الموالية لبهاء الحريري، ولائحة “إنتفض للسيادة والعدالة” من 8 أعضاء، في حين ما يزال مرشّحون آخرون وأحزاب ومجموعات أخرى تنتظر مشاورات واتصالات السّاعات الأخيرة لتشكيلها لائحة أو دخولها في لائحة، مثل حزب سبعة، والحزب الشيوعي، ومواطنون ومواطنات في دولة وسواهم، أو خروجهم من السباق الإنتخابي إذا تعذّر عليهم ذلك، وهو أمر ينتظر ان تتضح ملامحه نهائياً في غضون السّاعات القليلة المقبلة.
تشرذم مرشّحي ولوائح وأصوات الحَراك والمجتمع المدني على هذا النحو جعل مراقبين يتوقعون لـ”أحوال” أن يؤدّي إلى إحدى النتيجتين: الأولى عدم قدرة أيّ لائحة منهم على تجاوز العتبة الإنتخابية ونيل حاصل إنتخابي، وبالتالي عدم فوز أيّ من مرشّحيهم الكثر بأيّ مقعد نيابي؛ والثانية أن يؤدّي تفريخ اللوائح وكثرتها، بالتزامن مع توقعات بانخفاض نسبة الإقتراع في هذه الدائرة، إلى انخفاض الحاصل الإنتخابي، وهو إنخفاض سيصبّ بالدرجة الأولى في مصلحة لوائح السّلطة والقوى السّياسية، وفوز مرشحيهم بمقاعد الدائرة الـ11، على حساب مرشّحي ولوائح الحَراك والمجتمع المدني الذين سيكونون مجرد جسر عبور لفوزهم.
عبد الكافي الصمد