لهذه الأسباب ستتوقف المدارس عن العمل؟
لم تخف الطالبة الجامعية نور هاشم دمعتها، عند حديثها عمّا شاهدته عيناها أثناء دخولها أحد أفران المناقيش في منطقة النبطية: “استاذي المفضل والأنيق، الذي كان يدرسني في احدى الثانويات الرسمية، كان يرتدي مريولاً أزرق اللون، يعمل في تقديم العجين للزبائن”.
مشهد المدرّس كان مؤلماً للطالبة نور: “حاولت أن أغضّ بصري عن أستاذي، كي لا يراني، لكنه فاجأني بقوله، لا تخجلي، أنا مضطرّ للعمل لأطعم عيالي، لأن أجري هنا افضل من أجر المدرّس، حاولي أن تختاري مهنة حرّة تبعدك عن الوظيفة والعمل تحت رحمة رجال الدولة”.
حال المدرّس المذكور، لا تختلف حتماً عن حالات معظم المعلمين في التعليم الرسمي، “باستثناء من ينتمي الى أسرة ميسورة مالياً”، يقول المدرّس أحمد جابر، مبيناً أن “المعلمين يحاولون انهاء امتحان الفصل الأول، كي يعلنوا بشكل واضح عدم قدرتهم على الاستمرار في العمل والتوقف عن التدريس”.
يلفت جابر الى أن “حدة النقاش ارتفعت بين المعلمين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول خطورة الالتزام بقرارات روابط المعلمين التي يبدو أنها تحاول التماشي مع ارادة الأحزاب السياسية، بضرورة استمرار المعلمين بالعمل الى ما بعد الانتخابات النيابية”، ويرى أن “خطورة ما يجري تتعلق بأن قدرة المعلمين في الضغط على السلطة والأحزاب للحصول على جزء من حقوقهم سوف تتراجع حتماً بعد الانتخابات، لذلك يجب التوقف عن التعليم، لأن المعلم لم يعد لديه ما يخسره”.
ويبدو أن الاستمرار في التعليم داخل المدارس والثانويات الرسمية، لم يعد يتعلق بتوقف المعلمين عن العمل أو الاستمرار فيه، بل بالقدرات المالية للمدارس، اذ أن المدارس الرسمية لم يعد لديها ما يكفي من الأموال لشراء الحاجات الأساسية، من الأقلام والأوراق وغيرها، أما التدفئة فحدث ولا حرج، حتى أن عدداً من مدراء الثانويات الرسمية في محافظة النبطية أعلن عن نفاذ أوراق الامتحانات، وتعطل آلات تصوير المسابقات، فاضطرّ أحدهم الى “الزام المعلمين بكتابة أسئلة الامتحانات على اللوح، وهذا يتطلب وقت اضافي أثناء الامتحانات الفصلية، اضافة الى ضرورة وجود جميع المعلمين أثناء اجراء الامتحانات، أما أوراق الاجابة على الأسئلة، فعلى الطلاّب احضارها على نفقتهم الشخصية، وهذا أمر لم نعتد على القيام به منذ دخولنا سلك التعليم”.
ويلفت المدير، الذي رفض البوح باسمه، الى أنه “عندما نطالب وزارة التربية بدعمنا لوجستياً، لا نحصل على أية اجابة، بل تصل الينا التعاميم اللاّزمة لاجراء الامتحانات واستكمال أعمال التدريس وفق المعتاد، علماً أن بدل صيانة آلة تصوير واحدة بات يعادل ميزانية المدرسة بأكملها”. علماً أن مدراء المدارس لا يحق لهم انفاق ما يزيد على مليون ليرة من أموال مدارسهم المودعة في البنوك لشراء المستلزمات الضرورية، الاّ بعد تقديم عروض المناقصات من مؤسسات تجارية لها سجلاّت تجارية، وهي غير متوفرة في معظم المناطق.
ويوضح أن “مدراء المدارس مضطرون للتغطية على غياب المعلمين، الذين باتوا يتغيبون بشكل متكرر، بسبب أوضاعهم المالية السيئة التي لا تسمح لهم بتعبئة سياراتهم بالوقود للوصول الى مدارسهم، وهذا يؤدي الى ضرورة تغيير البرامج اليومية للمدرسين كي نتمكن من تسيير العام الدراسي قدر المستطاع”.
داني الأمين