السور الأحمر لفصل افريقيا: يستحق القراءة مع أزمة الغذاء العالمي
خلال جلسة دردشة، على الطريقة اللبنانية، وكان ضيفها الرئيسي أحد سفراء الصين في دولة افريقية، سأله احد الحاضرين: سعادة السفير ماذا تفعلون هناك ولماذا هذا الاهتمام الكبير منكم بأفريقيا؟ فأجاب سعادته بسرعة البرق: نحن نسعى لنؤمن استمرارية مصادر طعامنا، اليوم وغداً.. لا مكان في العالم اليوم أغنى من أفريقيا”.
هذا الكلام تلمسه بالأرقام والتفاصيل والحبكة العلمية في مخطوط الدكتور علوان أمين الدين القيّم، وهو بعنوان “السور الأحمر العظيم: نظرية فصل أفريقيا”، فما الذي أخذ هذا الشاب اللبناني المثقف والباحث العميق الى مجاهل تلك القارّة؟.
لقد عوّدنا مؤسس مركز سيتا للدراسات والأبحاث د. علوان نعيم أمين الدين على أنواع جميلة وعميقة من المفاجآت، هو من سبق وكتب أبحاثاً معمقة في ملفات شائكة وبعيدة عن المتناول اليوم ولكنها حلقات مؤسّسة للغد، بسلبياته وايجابياته، كيف لا وهو من استشرف الكثير من القضايا، أهمها كتابه السابق “الحرب على آسيا” والذي قرأ فيه تسلسل الأحداث العنيفة والدامية التي نشهد بعضها الآن، وبحثه الطويل في تاريخ العلاقات الصينية الالمانية أو أبحاثه الكبيرة في القانون الدولي وغيرها وغيرها.
السور الأحمر العظيم
الكتاب الضخم صدر عن مركز سيتا – لبنان لمؤلفه الدكتور علوان نعيم أمين الدين بعنوان “السور الأحمر العظيم: نظرية فصل إفريقيا” – The Great Red Wall: “Africa’s Separation” Theory، ويقع الكتاب في 512 صفحة مقسمة على 7 فصول.
هذا الكتاب هو عبارة عن نظرية جيو – بوليتيكية تم العمل عليها على مدار 8 أعوام، ويتضمن دراسة لمنطقة الساحل الإفريقي، الغارق في الصراعات المتعددة، والذي سيكون له الأثر الكبير على مستقبل القارّة وصراع القوى الكبرى فيها وعليها.
يتناول هذا الكتاب، بالتحديد، علاقة الدول الأوروبية بالقارة “السمراء” لأسباب عدة أبرزها القرب الجغرافي، والإرث التاريخي – الاستعماري، والتداعيات التي قد تولدها الصراعات الإفريقية على دول “القارة العجوز”، من جهة، وكيفية التدخل الأوروبي في منطقة الساحل والصحراء، على وجه الخصوص، من أجل تحقيق مصالحها الإقتصادية من جهة أخرى، وهو ما يتقاطع اليوم مع مصالح دول بعيدة عنها نسبياً، مثل الصين وروسيا والسعودية وتركيا وإيران، والتي تفتش عن موطئ قدم لها فيها من أجل تحقيق أو الوصول إلى غايات متعددة أهمها على الإطلاق الإقتصادية، وأخرى سياسية ودينية وغيرها الكثير.
يتضمن الكتاب شهادات لعدد من الشخصيات التي لديها خبرة عميقة بخفايا وخلفيات الصراع على هذه المنطقة الحيوية، وأبرزهم السفير الدكتور عبدالله الأشعل (مصر)، والسفير الدكتور هشام حمدان (لبنان)، والسفير الدكتور محمد سالم الصوفي (مالي)، والبروفسور جمال واكيم (لبنان)، والبروفسور كمال ديب (كندا)، والمراقب السياسي الإعلامي علي شندب (لبنان)، ومدير مركز خبراء “رياليست” الدكتور عمرو الديب. (روسيا)، ويمكن تلخيص الفكرة – النظرية بالنقاط التالية:
– تشكل افريقيا نحو 60% من الاراضي الخصبة في العالم، ما يثير رغبة الدول الكبرى بالحصول على قطعة من هذه الجبنة الدسمة بعد تراجع الموارد في معظم الدول.
– قرب القارة من قارة أوروبا يشكل نقطة احتكاك متفجر، بالقارة العجوز تشكو من الغزو الافريقي لها بالهجرة غير الشرعية وعصابات الارهاب والتهريب والمخدرات وغيرها ما يعني سعي الاوروبيين لاقامة حاجز يمنع مثل هذه الظواهر عنهم.
– هناك مشروع لفصل جنوب القارة عن شمالها عبر “السور الأخضر” وهو زراعة خط بعرض 5 كلم يشطر القارة بين شمال صحراوي وجنوب أخضر يساهم بوقف الزحف الرملي باتجاه الغطاء النباتي.
– هذا القطع يعني فيما يعنيه وقف تمدد الديمغرافيا الاسلامية، واكثريتها في الشمال، وبين الديمغرافيا المسيحية المقيمة بغالبيتها في الجنوب، ما يعني اقامة سد بوجه العنف المتولد من الاحتكاكات المتقابلة.
– اقامة الجدار الأخضر سيرافقه مجموعة من المشاريع منها القطار الضخم الذي سيربط بين شطور القارّة ولكن ذلك ايضاً سيرافقه تنظيم عملية وضع اليد من قبل الاستعمار على مراكز الثروة والمواد الأولية.
– الشره العالمي على وضع اليد على افريقيا ذات الموارد الطبيعية والغذائية الضخمة سيرفع من احتمالات الحروب التي لا تنتهي واراقة الكثير من الدماء، وهنا توقف الباحث امين الدين ووضع العنوان لهذا الكتاب “السور الأحمر” بدلاً من الأخضر لما سيكلف هذه القارة وشعوبها من أثمان في الأرواح وسيرسم هذا الخط بالقاني وبكل أسف “ولن أستطيع تسميته بغير هذه الصفة الأليمة”.
ولكن يمكن تسجيل ملاحظة هامة هنا تتلخص بالتالي: يمكن ان نتفهم أن يبتعد الكاتب عن الغوص في الأدوار الاميركية والصينية والروسية مثلاً في هذه البقعة لضرورات المنهجية العلمية وتتابع الاحداث والبقاء ضمن عنوان الكتاب، ولكن على ارض الواقع فإن هذه الدول “تفلح” القارة طولاً وعرضاً، ألم يكن من المجدي ولإتمام الرأي العلمي أن تكون لأدوار هذه الدول من حصة؟
يرد بالتأكيد على تصميمه على استكمال البحث في دراسة اخرى عن أدوار الدول البعيدة جغرافياً عن القارة ولكن يبقى السؤال عالقاً في هذه الحلقة الناقصة.
بما يشبه الخلاصة
الكتاب – المرجع، يضم بين دفتيه جهد علمي ومهني ممتاز، يستند على عشرات المراجع التي لخص الكاتب عناوينها في نحو 40 صفحة، وهذه قيمة اضافية كبيرة، ولكن اذا كان أمثال الدكتور امين الدين الذين يخطون الأبحاث المعمقة عن حال شعوب، ان كانت هذه النظرية سلبية ام ايجابية على حالهم، ولكنها في أحسن الظروف ستضعهم في عين العاصفة وسيتعرضون لأنواعٍ شتى من القهر وسلب الحرية وخيرات الأرض، فهل من يجيب ويمد يد العون لهذه الشعوب علها تنجو من بعض الألم؟.
في المحصلة يبدو أن البشرية تعيد تكرار العدوان على يعضها البعض كي تزيد من السيطرة وسلب الخيرات ولا تتعلم او تؤكد على التعاون بسلام وتصل ذروة الحشد والحقن للانفجار والحرب والوصول الى الحروب العالمية، اليست مقدمات النار بين اوكرانيا وروسيا تمهيد بالذخيرة الحية للحرب الكونية القادمة؟.
عامر ملاعب