منوعات

خبراء تجميل لـ”أحوال”:مهنتنا تنازع بسبب الدولار وهكذا باتت علاقة اللبنانيات بالماكياج

الماكياج هو الهم الذي تخجل به النّساء في عصر الغلاء والوباء

المرأة لا تظهر وجهها عارياً إلا في حزنٍ أو داخل جدران منزلها أمام المقرّبين. اللحظة التي تتجلّى فيها المرأة دون أقنعة الجمال، يكون السأم طرق روحها فابتعدت عن الألوان وبات التقشّف حالها وحال من لم يعد يبالي بأمزجة الحياة.
النساء تهوى أن يكون لهنّ عدّة وجوه، وجه للجمال وجه للإثارة وجه للشغف وآخر للجاذبية أو الفرح، وقد يكون لكل مزاج وجه ولكل مناسبة ملامح ولون.
جريئة تلك التي تطلّ مغسولة الوجه دون ألوان تظلل عيونها أو تضيء خديها أو تفتح رموشها، وهذه الجرأة نادرة قلما نراها إلا في نفوس الزاهدين او المكتئبين.
أكثر امرأة طبيعية تختار على الأقل وجهاً آخر تحمله في كل آن، يكون هويتها وعنوانها بين خلق الله. لا تودّع المرأة فرشاتها أو أحمر شفاهها إلا إذا كانت على حزنٍ أو انطوت تحت سفر الخبو، حيث لا تعود أنوثتها تعني لها ولا يعود حصاد الفرح ممكناً.

قصير النظر من يظن أنّ المكياج عند المرأة مجرد ترفٍ، هذه الألوان التي تزجّها فوق سحنتها هي ألوان الثقة وألوان السعادة وألوان التحدّي. قد تحيط المأساة أجواءها فتنهض من سواد حالها وتطلي روحها بلون التحدّي، موزّعة البريق على جفونها والأحمر على شفاهها وتنطلق في  وقفة تريدها خطوة مشاكسة نحو الافضل.
الماكياج عند المرأة ليس إضافة بل أساس. قد تختصر في مأكلها ومشربها وواجباتها ولا تختصر في مساحيق زينتها. هذه العلب التي تفردها من أجل أن تعالج نفسها بالإبهار، وتكون سيدة بأناقتها وترتيبها وترمّم تشوهاتها الداخلية قبل الخارجية، إنّها رسائل نحو مضمون أرفع بالرقّة وأعمق بالسطوة وأهم بالحضور.

هل تستغني اللبنانيات عن الماكياج؟

هي رسائل يقدّرها الرجل قبل المرأة نفسها فهو الذي ينحني لشفافيتها ويزوغ بألوان رموشها، ويسلب أمام طلاء أظافرها ويغمره الشبق لنظرة مطلية بالظلال وقد يذوب او يحفظ او يستكين أمام خدين منحوتين بالإغراء والرفعة.
ماكياج المرأة ليس لها وحدها بل هو للجميع إنه ثقافة جمال وعنوان هوية. من مكياجها تعرفها، هذه إلوان السحر وتلك ألوان الإغراء وذاك لون الخفر وحتى الخجل له لون وصول الى السكون او الصخب.

لهذا كان هناك فنانون احترفوا نحت الوجوه وصاغوه بلون الحياة حيث الألوان مفتوحة لأمزجة وصور لا تحصى وباتوا نجوماً في فنهم ومهنتهم. اعتنقوا هؤلاء ثقافة الوجوه وباتوا يرشون فوق صفحته معاني تبدأ بالجمال ولا تنتهي عند التفاؤل والعذوبة والجاذبية.

في هذه الأزمة التي تحلّ بنا هنا في لبنان حيث الحزن أكوام والتشاؤم قناطير والغلاء فاحش وعلب المكياج باتت أسعارها تشق النفس. هل ستظل المرأة تلهث من أجل زينتها وهل سيكون بمقدورها أن تشتري ما اعتادت عليه بالأمس القريب؟ كثير من النساء اللواتي نعرفهن لا يقبلن الانكفاء ولا يرضين بالهزيمة سيجدَن مخرجاً لارتفاع أسعار علب مكياجهم، يختصرن في كل شيء ويتذاكين في الاقتصاد لكن لا يفرطن بقلم أحمر الشفاه او الكحل او البلاشر.
قد تجد حقائبهن فارغة من المال لكن لن تفرغ من أقلام الزينة. فهذه بالنسبة للمرأة اولى الأولويات. ستبقى تشتري الأهم لها والضروري من أدوات المكياج لكن لن تقلع كلياً عن شرائها. قد تلجأ الى نوعيات أرخص وماركات أقل لكن لن تكون عارية الوجه.

خبراء المكياج الذين هم فنانو الوجوه لا يقبلون إلا بأفضل النوعيات وأغلاها سعراً لأنها الافضل وتساعدهم في عملهم لصياغة الوجه بأبهى صورة. هل لا يزالون قادرين على شراء مستحضراتهم وهل النساء في لبنان لديهن الامكانية لدفع ثمن عملهم وألوان حرفتهم؟

محمد حيفاوي: هناك اتجاه نحو المستحضرات الوطنية

محمد حيفاوي أحد أشهر خبراء التجميل الذي له باع طويل في مهنة هندسة الوجوه، يقول:” أسعار علب الماكياج ارتفعت جداً بسبب غلاء الدولار فالعلبة التي كانت ب 50 دولار صارت باللبناني بـ 400 الف. وهذا ما يجعل عملنا على كف عفريت. فقد يصل ثمن الفوندايشن من ماركة عالمية الى 120 دولاراً”.
ويتابع حيفاوي “أمام هذا الغلاء الفاحش كيف سأسعّر المكياج؟ أكثر ما يهمنا اليوم أن نبقى على تواصل مع زبوناتنا دون أن نحقّق أي ربح . نحن مثل غيرنا من اللبنانيين منتهى ما نطمح له في هذا الوقت ان نأكل ونشرب وندفع فواتيرنا. باتت السيدة تأتي إلينا وتدفع ما تريد دون أي نقاش لأنها هي أيضاً تعيش الأزمة وحالها لم يعد كالسابق. بتنا كمن يعمل بالقطعة. تأتي سيدة لتركيب رموش حتى تختصر في الفاتورة، وتقول انا أضع مكياجي في البيت. او أخرى تأتي وتطلب فقط مكياج العيون بهدف التوفير. حتى العروس التي كنا نعتبرها الزبونة الأهم بتنا نأخذ منها مثل اي مكياج عادي. لأن الوضع لم يعد يحتمل”.
ويقول حيفاوي إنّ سعر المكياج العادي كان بمئة دولار يقول “هذا المبلغ الذي كان يسيراً بات اليوم مبلغاً ضخماً ومن هي السيدة القادرة على دفع 800 الف ثمن مكياج؟”.
يخشى حيفاوي على مهنته ويقول “هذه المهنة قد تنقرض إذا بقينا على هذا الحال لأنّ المرأة تفضل أن تطعم أولادها على أن تدفع للماكيير، وأن تضع مكياجها بنفسها دون خبير تجميل وأنا اتفهّمها.”
ويضيف حيفاوي “توجّهنا كان بصورة إساسيّة إلى الطبقة الميسورة وكنا نعتمد عليها، لكن حتى هؤلاء لم يعد بمقدورهم أن يدفعوا أيضاً، كما أنّ كورونا فرضت أجواءً معيّنة حيث لا حفلات ولا مناسبات وبالتالي خف عملنا جداً”. وينهي حديثه بأن أي خبير تجميل لبناني سيجد صعوبة ان يستعمل الماركات العالمية الغالية الثمن، وربما سيفكر باستعمال الماركات المحلية الوطنية حتى يتخطّى هذه الأزمة.

سارة الحسن: من سابع المستحيلات أن تستغني المرأة عن الماكياج

بدورها، تقول خبيرة التجميل سارة الحسن: ” نحن كخبراء تجميل لم نعد نعرف كيف سنتصرّف أمام غلاء الأسعار. فكل شيء يمكن أن يستبدل بمنتجٍ آخر إلا الماكياج، لأنّنا كخبراء لا نستطيع التفريط بالجودة التي تصبّ في صميم مهنتنا كمحترفين، وهذا اليوم بات مستحيلاً مع ارتفاع الأسعار الذي لا يصدّق، ما أثّر علينا معنوياً ومهنياً ومادياً”.
وترى سارة أنّ الماكياج الخفيف بات موضة، وتتابع “هذا الأمر  يساعد المرأة في طلتها إذ أنّها لم تعد تحتاج إلى الكثير من الماكياج أو إلى خبير تجميل وقد تكتفي بوضع ماكياجها في البيت. لكن يبقى هناك مناسبات لا يمكن أن تستغني فيها عنا كحفلات الزفاف والمناسبات الكبرى”.
وترفض سارة التنازل عن الماركات التي تستخدمها لتتمكّن من تقديم أفضل نتيجة، وتقول إنّ السيّدة في منزلها تستطيع استبدال الماركات بأخرى أقل ثمناً.
وعن الأسعار التي باتت تتقاضاها بعد غلاء سعر أدوات التجميل تقول “نحن نراعي زبوناتنا، لا نستطيع رفع أسعارنا لأنّ للنساء أولويّة في هذه الفترة إطعام أولادهنّ ودفع فواتيرهن. علينا أن نشعر بهنّ وأن يتحمّل أحدنا الآخر”.
وتؤكّد سارة أنّه من سابع المستحيلات أن تستغني المرأة عن ماكياجها، تقول “المرأة تستغني عن الأكل والشرب ولا تستغني عن الماكياج لأنه اولوية عندها، ولكن بدل أن تقصد صالون التجميل، باتت تضع ماكياج في المنزل وهو ما أثّر كثيراً على مهنتنا”.

ميسون هلال: زمن الفخامة

أما خبيرة الجمال ميسون هلال المعروفة في أوساط عالم الضوء والسينما أنّها تبتكر شخصيات وتغيّر ملامح. تقول ” اليوم الأمور باتت صعبة جداً، الغلاء فاحش، لم نعد قادرين على شراء مستحضراتنا التي ندفع ثمنها بالدولار. لدى كل خبير تجميل stock أو مخزون لكن هذا سينتهي قريباً، وبعدها لا نعرف ما هو الحل. الماكياج الذي كان بمئة دولار لا أستطيع أن أتقاضى ثمنه 800 ألف ليرة من الزبونة، التي باتت تدفع ما تشاء ولا أناقشها خصوصاً إذا كانت زبونة قديمة”.
وتضيف ميسون “المرأة اليوم تتجه نحو العناية بالبشرة لأن هذا استثمار ناجح، فبدل أن تدفع ثمن ماكياج يغطي البشرة المتعبة وتزيله بعد ساعات، باتت تميل لعلاج بشرتها لتصبح نضرة، كما باتت تضع ماكياجها في المنزل، وهناك اليوم اتجاه نحو المستحضرات والماسكات البيتية التي تستدل عليها من السوشال ميديا”.
ورغم أنّ عمل ميسون غالباً مع النجوم والفنانين والميسورين، تقول إنّه حتى هؤلاء بات الأمر صعباً عليهم مع سياسة البنوك وعدم قدرتهم على سحب أموالهم، كما أن أولويّاتهم تغيّرت.
تقول “هذا الزمن ليس زمن الـ  show off بل إنه زمن الضرورة. وليس زمن الفخفخة luxury بل زمن الطبيعية. المرأة اليوم تتجه الى القيام بالماكياج بنفسها والاتجاه نحو الاشياء الطبيعية.”.
وترى أنّ المستقبل ليس للرفاهية، وأنّ المرأة بدأت بالاستغناء عن خبراء التجميل، الذين سيكون عملهم حكراً على الأعراس والمناسبات الكبرى فحسب.
وتتابع “نحن ذاهبون نحو الثقافة الغربية حيث البساطة وحيث الطبيعية والقليل من الماكياج سيكفي المرأة حالياً . فهذه الأجواء التي نعيشها أساساً لا تحتمل الكثير من الماكياج بل يكفي القليل منه حتى يعطي بريقاً للوجه دون صخب ودون صراخ.”
يئن اللبناني تحت سطوة مشاكله، وللنساء مشاكلهن أيضاً ومنها أدوات التجميل التي لم تعد بمتناول اليد، هو همّ، لكنّه همّ تخجل النّساء بالحديث عنه، فثمّة أفواه جائعة، ومرضى يتألّمون ولا يحصلون على ثمن دواء.

كمال طنوس

 

 

كمال طنوس

كاتبة وصحافية لبنانية لاكثر من 25 عاماً في العديد من الصحف العربية كمجلة اليقظة الكويتية وجريدة الاهرام وجريدة الاتحاد وزهرة الخليج .كما تعد برامج تلفزيونية وتحمل دبلوما في الاعلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى