منوعات

تفاصيل تسوية “الثنائي” – عون – ميقاتي لإحياء الحكومة

تعويم للعهد بعد "نكسة" الحوار.. فهل يرُد "الجميل" بإزاحة البيطار؟

على ايقاع المتغيرات التي تجتاح المنطقة سيما الآتية من “فيينا”، كسر ثنائي حزب الله وحركة أمل الحظر المفروض على مجلس الوزراء وأعلنا العودة الى حضور الجلسات لاقرار الموازنة وخطة التعافي وكل ما يتصل بالملفات المعيشية.

فما هي خلفيات هذا القرار؟ وهل ثمة اتفاق تمت صياغته خلف الكواليس تم انضاجه وإخراجه الى العلن تزامناً مع المؤشرات الإقليمية الدافعة التي تلاقت مع تقاطع المصالح السياسية المحلية في منتصف الطريق؟ وهل يعني أن البلاد دخلت في مرحلة جديدة عنوانها لجم الانهيار والحفاظ على الاستقرار والتهدئة لتمرير الانتخابات النيابية والبدء بمرحلة النهوض بعدها؟ وماذا عن مصير القاضي طارق بيطار في ضوء قرار “الثنائي”؟.

من المؤكد أن قرار “الثنائي” ليس معزولاً عن المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، وإن كانت الضرورات السياسية والاقتصادية الداخلية فرضت نفسها. بيد أن ما استرعى الانتباه في بيان “الثنائي” هو ربط عودته إلى حضور جلسات مجلس الوزراء بـ”إقرار الموازنة العامة للدّولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي، وكل ما يرتبط بتحسين الوضع المعيشي والحياتي للّبنانيّين”. وفي عملية حسابية بسيطة يتضح أن مناقشة الموازنة تحتاج الى ستة جلسات على الاقل سيما وأنها تشمل انفاق الدولة العام وايرادتها وسط خلاف مستحكم على سعر الصرف الذي سيحتسب ورفع تعرفة الكهرباء والاتصالات والدولار الجمركي وكيفية “تسوية” سلف الخزينة الممنوحة لوزارة الطاقة ولبعض الوزارات، اضافة الى موازنة العام الماضي فضلا عن موازنات الوزارات في ظل ارتفاع سعر الصرف أكثر من 4 أضعاف عن العامين الماضيين، وكذلك خطة التعافي التي تتضمن بنوداً عدة ومتشابكة ومتشعبة كتحديد الخسائر المالية للدولة ومصرف لبنان والمصارف وتوزيعها على الفئات الثلاثة واعادة هيكلة المصارف والاصلاحات المالية والاقتصادية، فضلاً عن الملفات المعيشية التي لا تنتهي بجلسة احدة، ما يعني أن “الثنائي” ضخ الحياة في عروق مجلس الوزراء لثلاثة أشهر بالحد الأدنى، أي حتى آذار المقبل ونكون قد دخلنا حينها في المهل القانونية للانتخابات النيابية، وبعدها “يخلق الله ما لا تعلمون”.

مصادر مطلعة على موقف حزب الله قرأت في قرار “الثنائي” لـ”أحوال” تحولاً في الموقف أتى نتيجة حملة سياسية – إعلامية شعواء لتحميل “الثنائي” مسؤولية تعطيل مجلس الوزراء وما ينتج عنه من تدهور للعملة الوطنية وإفلاس المؤسسات وتناسل الأزمات المتعددة اضافة الى الصرخة الشعبية في مختلف المناطق ومن ضمنها بيئة “الثنائي” نفسها، فوجد أن استمرار المقاطعة قد يؤدي الى سلسلة انهيارات اضافية قد لا يتحملها.

والأهم بحسب المصادر أن قرار المقاطعة لم يعد مجدياً كون سبب المقاطعة كان القاضي بيطار لا زال مقيداً بسبب كف يده، لأن الهيئة العامة لمحكمة التمييز لم تتخذ قرارها بعد بالدعاوى المقدمة ضده، لا سيما وأن انعقاد الهيئة بات شبه مستحيل بعدما فقدت نصاب الانعقاد بإحالة أحد أعضائها الى التقاعد وصعوبة تعيين مكانه في ظل الانقسام السياسي.
وإن حمل قرار “الثنائي” تضحية وتراجعاً في مكان ما، لكنه يختزن حكمة وبصيرة بحس المصادر فضلاً عن أنه حمل في طياته مكاسب استراتيجية: تعويم العهد الذي تعرض لنكسة بعد “نكسة الحوار” من قبل خصومه الذين أرادوا ليّ ذراعه، وبالتالي شد الحزب أواصر التحالف والعلاقة مع التيار الوطني الحر وفريق 8 آذار قبل الانتخابات.

وألمحت المصادر الى تفاهم جرى على خط بعبدا – الضاحية بعد اتصال تلقاه الرئيس ميشال عون من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فيما لقاءات الحاج وفيق صفا والنائب جبران باسيل لم تتوقف لاحتواء عاصفة التوتر في العلاقة بين “الثنائي” و”التيار”، لا سيما وأن باسيل هدد أمس بأن استمرار تعطيل الحكومة سيدفع “التكتل” الى نزع الثقة عنها.

وتكشف المصادر عن تطمينات أخذها حزب الله من عون وباسيل حيال حل أزمة البيطار، وقد يرد عون جميل “الثنائي” بتفعيل مجلس الوزراء، بإيجاد مخرج للبيطار أشّر اليه عون خلال كلمته منذ يومين لأهالي شهداء المرفأ، أما المخرج المتوقع بحسب المصادر أن يتظهر خلال شهرين ويقضي بتجميد قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز وفي هذه الحالة لا مانع من حضور وزراء الثنائي والمردة الجلسات وبالتالي تبقى يد بيطار مكفوفة حتى تخييره بين وضع تقريره الظني ولو كان مجتزأً أو إقالته بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.

وتربط المصادر بين التسوية الحكومية وبين التعاميم التي أصدرها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة التي أدت الى انخفاض سعر صرف الدولار، وتكشف أن هذه التسوية نُسِجت خلال الاجتماع الذي حصل بين الثلاثي الرئيس نجيب ميقاتي ووزير المال وسلامة منذ أيام، واصفة ذلك بتسوية “الإنقاذ المالي”.

وتخلص المصادر الى أن قرار المقاطعة انتهى وسيعود الوزراء الى مجلس الوزراء بشكل كامل حتى الانتخابات النيابية وحينها تتحول الحكومة الى تصريف اعمال وبالتالي لا تعد المقاطعة ذو نفع.

وثمة من يقول أن الانفراج الداخلي ليس بعيداً عن المؤشرات الاقليمية الدولية القادمة من فيينا، حيث تنقل مصادر المشاركين هناك أجواء تقدم نوعي ودخول في مرحلة نقاش التفاصيل التقنية قبل صوغ الاتفاق النهائي. كل ذلك يجري بموازاة عودة الدفئ للعلاقات الايرانية – السعودية وإعلان الطرفين عودة التبادل الدبلوماسي والسفارات.

ولا يمكن إغفال أيضاً أن التسوية الداخلية “الغير معلنة”، ترافقت مع قرار أميركي أبلغته السفيرة الاميركية في لبنان للرئيس ميقاتي باستثناء الغاز المصري من عقوبات “قانون قيصر”، الى جانب عودة الوسيط الاميركي هوكشتاين الى بيرون خلال ايام لاحياء مفاوضات ترسيم الحدود.

فهل تزامن وترابط هذه التطورات محضُ صدفة؟ أم لها علاقة بقرار أميركي بترتيب الملفات في المنطقة في ظل المواجهة التي تخوضها مع روسيا في أكثر من منطقة لا سيما في أوكرانيا؟ ويبقى السؤال الى متى ستصمد هذه التسوية؟

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى