قانون الإثراء غير المشروع يفتح باب إزدواجية الملاحقة و”التحايل” على الدستور
"أرنب" بري سهّل إقراره وعقيص: القانون فرّغ عملياً من هدفه
“الأرانب” مصطلح رديف لتخريجات يعتمدها أهل السياسة في لبنان في اللحظات الاخيرة لحل العقد او تمرير أمور ملتبسة، ويعتبر الرئيس نبيه بري بحنكته وباعه الطويل أبرز من يبتكر مخارج حيث نجح في جلسة مجلس النواب اليوم بسحب “أرنب” أفضى الى إقرار مجلس النواب إقتراح قانون الإثراء غير المشروع معدلاً.
فالمادة 11 من الفصل الثاني المتعلق بـ “أصول الملاحقات الجزائية والمداعاة المدنية” من إقتراح القانون كانت تنصّ على: “يعدّ جرم الإثراء غير المشروع خارجاً عن مفهوم الإخلال بالواجبات وخاضعاً لإختصاص القضاء العدلي”. فكان “أرنب” الرئيس بري يقوم على التخلي عن عبارة “الاخلال بالواجبات”، وأقرّ القانون بعدما أصبح نص المادة: “يعدّ جرم الإثراء غير المشروع جرماً عادياً لا تطبّق عليه الحصانات وخاضعاً لاختصاص القضاء العدلي”.
سارع رئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل مهللاً عبر “تويتر” حيث غرّد: “إخضاع النواب والوزراء وكل الموظفين لقانون الاثراء غير المشروع، إنجاز حققه تكتل لبنان القوي في مسار محاسبة كل قائم بخدمة عامة”. فيما أكّد النائب إبراهيم كنعان بعد الجلسة أن “جرم الاثراء غير المشروع هو جزائي عادي ويحاكم المسؤول والنائب والوزير على هذا الجرم وهذه أهمية هذا الموضوع والمجلس أقر هذا القانون من دون أي استثناء”.
ولكن هل يلغي إقرار القانون بصيغته مفاعيل المادتين70 و 71 من الدستور المعدلتين بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990 والمتعلقتين بمحاكمة الرؤساء والوزراء أمام مجلس أعلى مخصص لذلك؟ أما يفتح الباب أما ازدواجية الملاحقة وبالتالي تعطيلها عملياً؟ وهل كان المطلوب فقط تسجيل “عراضات” اعلامية وإنجازات شعبوية ووهمية؟
فالمادة 70 تنصّ على: “لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الاتهام إلا بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية”.
كما تنصّ المادة 71 على: يحاكم رئيس مجلس الوزراء أو الوزير المتهم أمام المجلس الاعلى.
عقيّص: القانون لا يلغي نصّاً دستورياً
عضو تكتل “الجمهورية القوية” القاضي السابق النائب جورج عقيص – والذي كان عضواً في اللجنة الفرعية التي درست القانون الذي اقرّ اليوم – شدّد على ان القانون لا يلغي نصاً دستورياً.
كما شرح خطورة ما شهدته الجلسة التشريعية اليوم من “تحايل” على النص الدستوري، قائلاً: “إن سير مجلس النواب بإقتراح الرئيس بري إلغاء عبارة الاخلال بالواجبات الوظيفية كمخرج لغض النظر عن النص الدستوري الواضح واعتباره غير موجود، هو أشبه بالنعامة التي تضع رأسها في الرمال. ففي حال ملاحقة اي وزير بجرم الإثراء غير المشروع أصبحنا أمام إزدواجية المسار: مسار الملاحقة أمام القضاء العدلي وفق القانون الجديد ومسار الملاحقة أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وفق المادة 70 من الدستور. بطبيعة الحال الوزير الملاحق سيعتبر أن الجرم الذي يلاحق به مرتبط بالواجبات الوظيفية، والصلاحية لا تزال معقودة وفق النص الدستوري للمجلس الاعلى”.
أردف عقيص: “الحل الذي أقر اليوم لم يلغِ إزدواجية الملاحقة. صلاحية المجلس الاعلى لم تُلغَ ولم تفسّر. كما لم يفسّر ايضاً الاخلال بالواجبات الوظيفية. لقد تم اليوم خلق صلاحية رديفة موازية للمجلس الاعلى في ملاحقة الاخلال بهذه الواجبات”.
وعن من المرجع المختص الفصل في الأمر، أوضح عقيص: “لطالما لم يكن للهيئة العامة لمحكمة التمييز إجتهاد ثابت بل كان الأمر يرتبط بحجم الضغط السياسي. فحيناً تعتبر الهيئة أن الشكوى بشأن الفساد في الاخلال بالواجبات الوظيفية لتمنع عن المتهم الملاحقة امام القضاء العدلي أو تعتبر الامر خارج الواجبات الوظيفية لتحفظ صلاحية القضاء العدلي وتفتح الباب أمام ملاحقته”. هذا، وذكّر عقيص بمحاكمة الوزيرين السابقين شاهي برصوميان وعلي عجاج عبدالله أمام القضاء العدلي، الأول بتهمة بيع رواسب نفطية والثاني بتهمة الاختلاس في مشروع التعاون الزراعي اللبناني ـ الاميركي او ما عرف بقضية الابقار.
وفي الختام أسف عقيص لأن “الصيغة التي كان يتم بحثها باللجنة الفرعية كانت صيغة متقدمة تُسقط جميع الحصانات عن جرائم الفساد، لكن هناك من تمسك بالمادة 70 من الدستور واعتبر أن النص يناقضها. فقرّر يومها نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي احالتها الى الهيئة العامة. واليوم تم اسقاطها وتفريغ القانون عملياً من هدفه إذ إن الملاحقات ستتوقف عن المدير العام”.
ما شهده مجلس النواب اليوم هو فصل جديد من فصول “الإلتباس” المتعمد، وإقرار قانون الاثراء غير المشروع يهدف الى دغدغة مطالب شرائح لبنانية عدة بما فيها الشارع اللبناني النمتفض في 17 تشرين الماضي من جهة والمجتمع الدولي والدول المانحة التي تشدد على ضرورة السير بالاصلاحات وتعزيز الشفافية ومحاربة الفساد من جهة أخرى.
عملياً، الإلتباس والازدواجية يتلاقيان مع التهرب المتعمّد من أي محاكمة جدية للرؤساء والوزراء عبر عدم تشكيل المجلس الاعلى لحاكمتهم حتى اليوم.
والحل يبدأ بتعريف “الاخلال بالواجبات الوظيفية” بشكل واضح كي لا يكون هناك اي التباس بينها وبين جرائم الفساد. وهذا ما حاول عضوا تكتل”الجمهورية القوية” النائبان جورج عدوان وجورج عقيص تمريره عبر الاقتراح الذي تقدما به لتعديل القانون رقم 13/ 90 المتعلق بأصول المحاكمات أمام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء والذي تضمن تفسيراً لجرائم الفساد يمكّن المشترع من الإعتماد عليه من دون الحاجة الى تعديل النص الدستوري. لكن للاسف لم يدرس هذا الاقتراح حتى الآن لأن مكتب مجلس النواب والأمانة العامة للمجلس لم يحيلاه الى لجنة الادارة والعدل كمرحلة أولى.
جورج العاقوري