منوعات

بين المثالثة والفدرالية.. روح الوحدة الوطنية

كثُرت الطروحات التي تنادي بإعادة النظر في التركيبة اللبنانية، وذلك من خلال قوى تعتبر نفسها اليوم في موقع الدفاع عن ديمومة الكيان اللبناني. وقد تكون من أبرز هذه الطروحات اليوم، طرحَي المثالثة والفدرالية.

بداية مع المثالثة: هي طرح تمّ التروّي فيه خلال مرحلة التباينات الكبيرة في الداخل اللبناني، لا تتناسب مع منطق المناصفة، إنما هي في حقيقة الأمر واقع عدديّ حقيقيّ لا يمكن التخفّي خلفه. لكن واقع التركيبة اللبنانية يحتّم بأن تسير الأمور بالمناصفة الحالية، وذلك حفاظًا على الخصوصية المسيحية في البلد الذي تمّ تركيبه وتعديل تركيبته في “اتفاق الطائف” وفقًا لهذه المعادلة، وبالتالي يمكننا القول إن واقع التركيبة اللبنانية يُصعّب بشكل كبير التوجّه نحو المثالثة في الوقت الحالي تحديدًا.

أما في الحديث عن طروحات الفدرالية المتعدّدة، فهي طروحات غير متوازنة حتى اليوم، لأنّها قد تؤدّي إلى أبعد من المثالثة، وذلك بحسب إحدى الدراسات التي أجريتها ضمن المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء “لماذا تؤدي الفدرالية إلى أبعد من المثالثة؟”.

إن واقع لبنان الجغرافي والسكّاني أصبح مختلفًا جدًا، والغلبة الإسلامية السنية-الشيعية باتت واضحة، وهي قد تصل إلى أكثر من الثلثين مقابل أقل من الثلث على المستوى العدديّ. ولكن إذا ما تعمّقنا في بعض ما أفضت إليه الدراسة، نستنتج ما يلي:

أولًا: يعيش جزء كبير من الشركاء المسيحيين في أقضية ذات طابع إسلامي، وهذه النسبة وصلت إلى قرابة 45% من إجمالي المسيحيين في لبنان، وبالتالي يمكننا القول إن قرابة 55% من المسيحيين فقط يعيشون في الجغرافيا ذات الأغلبية المسيحية.

ثانيًا: نسبة المهاجرين من المسيحيين بدون عودة تخطّت ما يوازيها من المسلمين، مقارنة مع النسبة الفعلية لكلّ فئة في الداخل اللبناني.

ثالثًا: إمكانية فرض جغرافيا مسيحية ذات إستقلالية وإكتفاء ذاتي -كما يطالب البعض- هي قليلة جدًا، وذلك نظرًا لعدم وجود عوامل الديمومة الأساسية لأي قضاء من الأقضية المطروحة، وبالتالي سيكون هناك مطالب متعدّدة للتشارك في العديد من المرافق.

رابعًا: أي مطالبة للقوقعة في المصلحة الإثنية سيلاقيها رفض للشراكة في المصلحة الخاصة، خصوصًا على مستوى المنافذ البحرية.

وإنطلاقًا ممّا تقدم، نعود إلى طبيعة لبنان الوطنية لنتباحث حول ماهية الحلول التي يجب أن نستند إليها لإنقاذ الكيان خارج إطار “المثالثة والفدرالية”.

قد يكون الطرح بعيد عن الأولى أو عن الثانية، وقد يأخذ من إحداهما شيء ما، فلا يوجد أي طرح سيء للغاية بل يوجد نقاط لا تتطابق مع الواقع اللبناني داخل كل طرح، وبالتالي يجب العودة إلى روح الوحدة الوطنية.

لبنان دولة صغيرة ويمكن لها أن تكون عبارة عن “كونتون” من 10452 كم2 واحد نتشارك فيه العيش المشترك، لا “كونتونات” نتصارع فيها على المكاسب.

إن لبنان اليوم لا يعيش بدون الشراكة الوطنية والوحدة الحقيقية؛ من هنا كل الطروحات تموت أمام وحدة الوطن وأراضيه وشعبه، فكلّ من يطرح طرحًا جديدًا يعلم أن المشكلة في بعض التفاصيل الإدارية على مستوى الفساد والمحاصصة التي تتجسّد في طائفية البعض، لكن واقع لبناننا مختلف، إنّه واقع سليم يجب أن نستفيد من جانبه المشرق وأن نشعل النور في كل بقعة مظلمة منه.

زكريا حمودان

زكريا حمودان

كاتب وباحث لبناني. يحمل شهادة الدكتوراه في الهندسة الصناعية من جامعة بلفور مونبليار للتكنولوجيا في فرنسا. مدير المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء. رئيس التجمع الوطني للتنمية ونشر الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى