مجتمع

كيف يخفّف اللبناني من ضغط الأزمات التي يعيشها؟

“إحفظ قديمك، جديدك لا يدوم”.. مثل شعبي لم يأت من فراغ، فالمواطن اللبناني وفي ظل الازمات المتراكمة التي يعاني منها، وخصوصا على الصعد المعيشية والحياتية والاقتصادية، لم يعد بمقدوره تأمين معظم حاجياته الضرورية، الأمر الذي دفعه للاعتماد على الوسائل القديمة المتواضعة لسد بعض النقص الذي نتج عن فقدان أو إرتفاع اسعار الكثير من مصادر الطاقة لتأمين ما يحتاج إليه في يومياته.

فالتداعيات المؤلمة للازمات التي عصفت بالبلاد منذ سنتين وما زالت تتصاعد، أجبرت القاطن في “بلاد الأرز” على الاختصار بشدة تكاد لا توصف، حتى بات يحسب حساب أية خطوة كانت في السابق تمر معه مرور الكرام، ولكن اليوم فإن أية دعسة ناقصة يمكن أن تجعله ينزلق أكثر فأكثر إلى المزيد من الحاجة والديون.

هذا الاختصار تجلّى بشكل أساسي في الكهرباء كما في الغذاء، حيث أن الغياب شبه الدائم للكهرباء وعدم إمكانية تغطية نفقات اشتراكات المولدات، إضافة الى أن ارتفاع أسعار الغاز والمواد غذائية، أدّى الى عودة الكثير من اللبنانيين الى استخدام أدوات قديمة ما زال يملكها البعض والبعض الآخر أهداها وربما ندم، كالقنديل والموقدة والصاج وغيرها.

الصور بعدسة اوديت همدر

كيف تساهم هذه الادوات في التخفيف عن المواطن المأزوم، وهل استخدامها اليوم مكلف أكثر من السابق، وهل هي متوفرة أم يصعب الحصول عليها؟

“أحوال” تحدّث مع عدد من المواطنين في الشمال لاستطلاع ما استجد من معطيات:

تراز الرهبان وهي ربة منزل تعيش في احدى القرى المتوسطة الإرتفاع، أشارت الى أن “الوضع المعيشي سيء للغاية، ولم نتوقع يوما أن نشهد انهياراً كالذي نشهده اليوم، فبدل أن نتطور ونستخدم أدوات وتقنيات جديدة، عدنا الى ايام اجدادنا، ايام الطهي على المواقد والخبز على الصاج او التنور، لأنه لم يعد بإمكاننا الإسراف في استعمال الغاز في ظل الارتفاع الكبير بسعره”.

واضافت: “اشتريت في بداية الموسم كمية من الحطب ورأيت أنه من المناسب استخدامها للتدفئة ولإشعال الموقدة عند الحاجة، إن كان للطبخ او لغسل الثياب او لتسخين المياه، طبعًا الجهد أكبر ولكن ليس باليد حيلة أمام هذا الوضع الذي يشبه العصر الحجري”.

الصور بعدسة اوديت همدر

أما جولي بو ملحم التي تحدثت وهي تخبز على صاجها، (رفيقها الدائم منذ سنين)، فقالت: “كنت أخبز على “الصاج” دائمًا لتأمين حاجة عائلتي، أما في هذه الأيام فبت أسعى لألبي العديد من الطلبات لأن الازمة التي نمر بها اليوم زادت الطلب على خبز الصاج، فأصبحنا نتكل عليه أكثر من اي وقت مضى”، مضيفة: “كذلك في قريتنا زاد استخدام التنور أيضا وكأننا عدنا إلى زمن اعتقدنا أنه ولّى عندما كانت الأفران الأوتوماتيكية تؤمن حاجات الأهالي، ولكن في الحقيقة معظم الناس تتمنى الحصول على هذه الادوات القديمة لتلبي حاجاتها الحالية، بعد إرتفاع اسعار الخبز وندرة وجوده في الكثير من الأحيان، ولكن المشكلة تكمن عند من ليس لديه هذه الادوات مثل الصاج وغيره، فقد يعجز عن شرائها لأن أسعارها في السوق أصبحت مرتفعة جدا”.

أما ربيع الغريب فقال إن “الازمات المتعددة جعلتنا نفكر بكل الاحتمالات التي من شأنها ان تخفف عن كاهلنا، وفي بيتي احاول أن اختصر بكل شيء، فراتبي الشهري أصبح لا يكفيني، في وقت تضخمت الأسعار حتى وصلت الى درجة إلغاء الاشتراك بمولد الكهرباء”.

الصور بعدسة اوديت همدر

وأضاف: “لدي موقدة على الحطب استعملها لتسخين المياه، كما انني لا اشتري طعاما يحتاج للتبريد، وعندما يأتي المساء نتكل على ضوء “القنديل” الذي كنا نحفظه مع الادوات القديمة أو نضعه للزينة في المنزل”، خاتما كلامه بالقول: “نعم الى هنا وصلت بنا الحال، نحاول ان نعوض بأقل تكلفة ممكنة، لأن كل الامور خرجت عن السيطرة في لبنان”.

إن التدهور المستمر في الوضع المعيشي فرض على اللبنانيين أن يتعاملوا مع الازمات التي تحاصرهم بطرق متعددة ليخففوا من الأضرار والمصائب التي شاء القدر أن يقعوا فيها في بلد غابت فيه أية بوادر للحل. وفي ظل انسداد الأفق على جميع الصعد، فإن اللبناني سيبقى وكأنه في حقل ألغام ينتظر معجزة للخروج منه.

مرسال الترس

مرسال الترس

اعلامي لبناني كتب في العديد من الصحف والمجلات اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى