منوعات

 خفض الإحتياط  آخر خيارات مصرف لبنان برأي المتابعين

فيما يضلّل التعقيد السياسي والحكومي والأزمة المالية والاقتصادية والنقدية المشهد الداخلي، انشغلت الأوساط السياسية والمصرفية والشعبية، طيلة اليومين الماضيين بالخبر الذي نقلته وكالة  “رويترز”  القاضي بتوجّه مصرف لبنان لخفض الإحتياط النقدي الإلزامي لديه، لمواصلة دعم الإنفاق الأساسي في العام المقبل، لما له من مخاطر كبيرة على الودائع المصرفية والنقد الوطني في آن معاً.

نفي سلامة زاد الغموض

هذا القرار بقي طي الكتمان واكتنفه الغموض، لكن نفي حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم الخميس هذا الأمر بشكل قاطع، زاد الغموض والمخاوف؛ سيّما وأنه وضع أي توجه بهذا الصدد في عهدة المودعين وأصحاب المصارف، مشيراً إلى أن “أي تخفيض لنِسَب الإحتياطي الإلزامي، لو حصل سيعود إلى أصحاب الودائع في مصرف لبنان وهم أصحاب المصارف وليس لأي غرض آخر.”

فما أبعاد هذا التوجه إن تم اعتماده؟ وهل هو الخيار البديل لرفع الدعم عن السلع والمواد الأساسية؟ وما هي انعكاساته على الودائع؟ وهل يكون على حساب أموال الناس المجهولة المصير أصلاً منذ عام ونيف؟

البحث عن حلول

مصادر سياسية ومصرفية أكدت لـ”أحوال” أنّ  خفض الاحتياط الإلزامي طرحٌ من الطروحات والإقتراحات التي عُرضت للنقاش، في سلسلة اجتماعات لحاكمية مصرف لبنان، مع الوزراء المعنيين في الحكومة وجمعية المصارف وليس طرحاً جدياً ونهائياً”.

أما الهدف بحسب المصادر، فهو البحث عن مخارج وحلول للإستمرار في سياسة الدعم للعام المقبل. وقد يكون خفض الاحتياط النقدي لتحرير جزء من دولارات المصارف في مصرف لبنان أو رفع الدعم التدريجي عن السلع الأساسية، آخر الخيارات  المتاحة أمام “المركزي”؛ سيّما وأن المعطيات التي باتت لدى المراجع الرئاسية تؤكد بأن لا حكومة قبل أشهر وربما أكثر.  فالأولوية لم تعد تأليف الحكومة، بقدر ما انتقلت إلى اتخاذ الإجراءات الأمنية والمالية والاقتصادية والمصرفية، للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي في مرحلة الفراغ، إن طالت الأزمة السياسية والحكومية المرتبطة بالتطورات الخارجية.”

وبحسب معلومات حصل عليها  “أحوال”، عرض  سلامة خلال اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان الثلاثاء الماضي، مجموعة خيارات وسيناريوهات، من ضمنها خفض الإحتياط النقدي للمصرف لبنان ورفع الدعم التدريجي عن بعض السلع والمواد الأساسية كخيارٍ ثانٍ.  وأكد سلامه، في المقابل، أنّ المبالغ المتبقية لديه بالعملات الأجنبية بلغت 17.9 مليار دولار، وبالتالي المبلغ المتاح استخدامه هو 800  مليون دولار على اعتبار أن مبلغ 17,1 مليار دولار هو إحتياطي إلزامي.

كما أبلغ سلامة الوزراء المعنيين في حكومة تصريف الأعمال كل الخيارات المطروحة، وطلب تعاون الجميع لاتخاذ القرار المناسب. علماً أنّ خبراء في علم المال شكّكوا بقيمة الاحتياط الذي أعلنه سلامة، وأكدوا أنّه موجود على الورق فقط وليس نقداً؛ وإلا لماذا رفض تسليم الحكومة أرقاماً دقيقة وواضحة عن موجودات وحسابات واحتياطات مصرف لبنان؟

أوساط حكومية معنية كشفت لـ”أحوال”  أن “جميع المشاورات والاجتماعات التي حصلت خلال اليومين الماضيين في المجلس المركزي والسراي الحكومي وجمعية المصارف، لم تتوصّل إلى اتفاق على هذا الأمر”، مشيرة إلى أن  “مصرف لبنان سلطة مستقلة بحد ذاته، ويمكنه اتخاذ هكذا قرار؛  لكن عليه تحمل مسؤوليته، لأن من شأنه زيادة نسبة المخاطر على العمليات المالية في المصارف، وقد يدفع الأخيرة إلى التشدد مع المودعين أكثر”.

وتساءلت الأوساط: هل طبقت المصارف التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان التي تلزم المصارف استعادة نسبة من رساميلها الموجودة في الخارج إلى لبنان؟

الدعم يرفع المخاطر على الإحتياط والودائع

من جهته، أوضح النائب السابق لحاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري لـ”أحوال” أنّ “صدور نفي من حاكم مصرف لبنان لهذه المعلومات مؤشر إيجابي، نظراً لخطورة المس باحتياط النقد الأجنبي في مصرف لبنان.”

وعارض بعاصيري سياسة الدعم التي يتبعها مصرف لبنان للسلع والمواد الأساسية مشيراً إلى أنّ “الحكومة هي المسؤولة عن الدعم وليس مصرف لبنان”؛ مضيفاً، “هناك سوء استخدام للدعم الذي تستفيد منه الطبقات الغنية والتجار والمستوردين، وليس المحتاجين وعامة الشعب فقط.  كما أنّ سياسة الدعم تساهم في تخزين وتهريب المواد الأساسية إلى الخارج مثل سوريا والعراق وتركيا والكويت، ما يؤدي إلى استنزاف الإحتياطات النقدية في المصرف المركزي ومن دون تحقيق النتيجة المرجوة”.

أما البديل عن سياسة الدعم برأي بعاصيري،  فهو أن تتولّى الدولة هذا الدعم عبر قسائم تموينية للعائلات والأشخاص المحتاجة، لتجنب المس باحتياطات مصرف لبنان”.

واعتبر أنّ خياري خفض الاحتياط النقدي والاستمرار بسياسة الدعم كلاهما سيؤدي إلى تقليص حجم الاحتياط في المركزي،  وزيادة نسبة المخاطر على المصارف وبالتالي على الودائع ويؤثر سلباً على قيمة النقد الوطني.

ولفت بعاصير الإنتباه إلى أن “مصدر التمويل الأساسي لسياسة الدعم هي ودائع المواطنين التي أودعتها المصارف بدورها في المصرف المركزي، وبالتالي استمرار هذه السياسة سينعكس سلباً على الودائع”.

وأضاف نائب حاكم مصرف لبنان السابق في هذا الصدد أنّ “الحكومة الحالية رفضت تسديد ديون اليوروبوند بذريعة عدم المس بودائع المواطنين في المصارف، وفي الوقت نفسه تطلب من مصرف لبنان دعم السلع والمواد الأساسي،  فيما هذا الدعم يتم من أموال المودعين وبالتالي الحكومة تفعل ما رفضته سابقاً.”

وحذّر بعاصيري من أننا أمام مرحلة خطيرة، وتزداد خطورة مع كل يوم يمرّ من دون حكومة قادرة ومتمرّسة في الوضعين المالي والاقتصادي، لافتاً إلى أنه في حال لم تُؤلف حكومة جديدة تأخذ على عاتقها معالجة هذه الملفات،  فسنشهد تفاقماً للأزمات المالية والنقدية والمصرفية وبالتالي الاقتصادية والاجتماعية.”

وعن مصير الودائع المصرفية،  أوضح بعاصيري أن مصرف لبنان والحكومة هما الجهة التي يجب أن يُوجه إليهما السؤال، لكن استعادة هذه الودائع يتوقف على طبيعة الحكومة المقبلة والسياسات المالية والنقدية والاقتصادية التي ستتبعها وقدرتها على اتخاذ إجراءات سريعة لاستعادة الودائع على المدى البعيد.

ضرورة إعادة الأموال المحررة إلى المصارف

حمّل خبراء اقتصاديون وماليون مصرف لبنان وقطاع المصارف والحكومات المتعاقبة مسؤولية الأزمة القائمة، ودعوا عبر “أحوال” المصرف المركزي والمصارف الأخرى  إلى اتخاذ إجراءات فورية لاستعادة الأموال المحولة والمهرّبة إلى الخارج خلال العامين الماضيين،  ما يرفع نسبة الاحتياط النقدي في مصرف لبنان،  ويوفّر السيولة النقدية للمصارف لإعادة أموال المودعين تدريجياً إضافة إلى تغطية أفضل للسلع والمواد الأساسية وخفض سعر صرف الدولار.

في المقابل،  أشار رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك “بيبلوس”  نسيب غبريل لـ”أحوال” إلى أن  “خفض نسبة الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان سيؤدي إن تم اعتماده إلى تحرير جزء كبير من الأموال،  لكن يجب ألا تستخدم هذه الأموال المحرّرة لدعم السلع والمواد الأساسية، بل يجب إعادتها إلى المصارف التي وضعتها في مصرف لبنان وفق ما ينص القانون.”

وأوضح  أن “لا آلية تسمح للمصرف المركزي بأن يستخدم الأموال المحرّرة لأي غرض، غير إعادتها للمصارف كنسبة من ودائعها من العملات الأجنبية في المركزي.”

وشدد غبريل على أن” الدعم اليوم ملقى على عاتق  مصرف لبنان، علماً أن الدعم في كل دول العالم يأتي من ضمن الموازنات العامة للحكومات وليس من المصارف المركزية.  فمصرف لبنان هو الوحيد في العالم الذي يدعم السلع المستوردة وذلك بسبب تقاعس الحكومات السابقة.”

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى