“مسيرتي” لـ”جورج وسوف”.. رسالة فيها العبر
سيرة من مغالاة لا تعرف الاعتدال ولا الاستواء. الفن قمة، الكرم إسراف، القمار تجاوز والموهبة شطط. جورج وسوف كل شيء عنده بدأ مبكراً، سابق الزمن راسماً نجوميته منذ الطفولة. شوارع الوطن العربي وبيوتها وباصاتها وشرفاتها كلها رددت مواويل إبن الـ12 عاماً. بريق صوت خرج من حنجرة وأغشى الجميع حتى صار حالة لها عشاقها ومهووسيها ومقلديها.
“مسيرتي” عمل وثائقي يلقي الضوء على حياة الوسوف الفنية والاجتماعية، ويخبرنا عن سيرة فنان تجاوز المعهود في كل شيء. هو إبن الزمن البطيء، يوم كان الناس يتناقلون النغم عبر الراديو او الكاسيت، واستطاع أن ينشر صوته كنار في هشيم. لا شيء في حياته عادي. جريء حتى تفزع الجرأة منه، وشجاع فوق مقاييس المعهود. شقّ دربه في الوعر وبلطها بالصوت الذي رنّ كحجر فيرزي فوق بلاط الروح.
ما نسمعه أو نعرفه عن الوسوف شيء، وما نراه في هذا الوثائقي شيء آخر. فهنا المقولة لا تقبل الزغل أو الشك لأن هو نفسه يروي فصول حياته ونشأته ويشرف عليها؛ فما نراه هو الحقيقة التي تدهش. إبن الـ12 عاماً يترك بيت أهله في حمص ويسافر مع رفاق الحي الى حلب من أجل أن يدخل البار ويرضي فتوته المتفتحة. إبن العشر سنوات غنّى في عرس وألقى موالاً بات على كل شفة ولسان، سُجلت مواويله وتناقلت حتى باتت شريعة أهل الطرب وأصحاب المزاج العالي. صاحب موال حاصبيا إنتقل من ضفة الغناء في حي ومنزل، ليصبح فنان كل الأحياء والمنازل.
الطموح وُلد مع جورج وسوف كما وُلدت موهبته. حمله الشغف بالفن ليطارد مستقبله فرحل نحو دمشق بعمر الـ14 عاماً يتسكع بلا مأوى وبلا مال ليجد مكاناً يحوي صوته، وكان له ما أراد بعد أن طرده نقيب الفنانين آنذاك صباح فخري قائلاً له “عد إلى أهلك ما زلت طفلاً”. عناده زاده والطريق فن، والوصول حتمي فهو إن صدح اهتزّت الرؤوس له، وإن أطال الغناء أصاب سامعيه الترنح.
يبقى السؤال: “كيف استطاع هذا الطفل أن يعاشر الكبار ويطغى عليهم؟ كيف حاورهم وكيف أقنعهم وجالسهم؟”، والجواب: لم يكن لدى الوسوف سوى الموهبة والعزيمة التي بدت أكبر مما ينبغي، فكان بهما يسيطر على الأجواء ويقارع بصوته الوجوه المعمرة التي تريد أن تطرب. فهو يغني وهم يسكرون بالشجن. هو الفتى الطازج في الحياة وهم المتعبين منها؛ سكب عليهم لحنه فشردوا وراحوا مع صاحب الصوت حتى استمالهم نبض الغناء، فكان “الطفل المعجزة” ومن بعدها “سلطان الطرب”.
في هذا الوثائقي لم يتلطَ جورج وسوف وراء العناوين أو الشهرة الواسعة التي وسمت مسيرته، بل قال الأمور كما هي دون قفازات ودون تواري للحقيقة. حكى عن بيئته المتواضعة، عن نشأته العادية، عن شقاء أمه وتعبها، عن مشاجراته مع والده، عن القمار الذي أسرف فيه ثروات طائلة. حكى عن تشرده في شوارع دمشق وعن جوع لامس بطنه. أهمية هذا العمل تقطن في كمية الصدق، لتكون مسيرة واسمة نتعلم منها ونستقي العبر.
العمل من إنتاج شركة 2PURE Studios للمنتج رودولف جبر، وإخراج دافيد أوريان، ونص وحوار جورج عبود، ومدير تصوير جورج ريفي. أدى أدوار جورج وسوف، من الطفولة والشباب وحتى المرحلة الحالية التي يعيشها، كل من: الطفل سليم حايك، الممثل عامر فياض، وفريد توفيق. كما يضم الوثائقي نخبة من الفنانين اللبنانيين والعرب منهم أسعد رشدان، مجدي مشموشي، كارول عبود، إلسا زغيب، جينا أبو زيد، ريموند عازار، فادي أبي سمرا، خالد السيد، جوزيف ساسين، شربل زيادة، جوزيف أصاف، حسن حمدان، علي الزين، مصطفى السقا، جوزيف سلامة ونيكولا مزهر.
كمال طنوس