منوعات

تأثير اقتراع المغتربين: بيضة قبان أم قنبلة صوتية؟

تترقب الأوساط السياسية القرار الذي سيصدره المجلس الدستوري في شأن الطعن الذي قدّمه التيار الوطني الحر في التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخاب وفي طريقة احتساب الأكثرية التي تمّ بموجبها إقرار تلك التعديلات في مجلس النواب.

ومن ضمن البنود التي يستهدفها الطعن ذاك المتعلق بإلغاء المقاعد الستة التي كانت مخصّصة للقارات واستبدالها بتصويت المغتربين للنوّاب في الدوائر الـ15 ضمن لبنان، وهو ما يرفضه بشدّة التيار ورئيس الجمهورية.

ومع تسجيل نحو ربع مليون مغترب أسماءهم للمشاركة في الانتخابات، فوجئ الكثيرون بالرقم الذي صُنّف بأنّه مرتفع وبليغ بالمقارنة مع الرقم المسجّل في انتخابات 2018. وما ساهم في زيادة العدد إلى حدّ غير مسبوق هو اطلاق حملات سياسية وإعلامية من جهات داخلية عدّة لحضّ المغتربين على الانخراط في العملية الانتخابية تحت شعار أنّ الوقت قد حان للتغيير، وبالتالي فإنّ الانطباع السائد هو أنّ النسبة الأكبر من أصوات المغتربين ستصبّ في خانة معارضي السلطة والطبقة السياسية الحالية، خصوصًا أنّ جزءًا منهم اضطر إلى الهجرة القسرية تحت وطأة تفاقم الأزمتين السياسية والاقتصادية خلال السنوات الماضية وصولًا إلى الانهيار الكبير عام 2019.

ولكنّ المفارقة هي أنّ تيار العهد بقيادة جبران باسيل كان من أبرز المتحمّسين  لتوسيع بيكار المساهمة الاغترابية في العملية الانتخابية إلى درجة أنّ هناك في التيار من احتفل بالمعدّل المحقق 244442 اسمًا، معتبرًا أنّه انجاز لباسيل شخصيًا، ما دفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان البرتقاليون  قد ادخلوا “الدبّ” إلى “كرمهم” باعتبار أنّ شريحة واسعة من المسجلين في سفارات الخارج سيصوتون لخصومهم، إلّا إذا خابت التوقعات المسبقة وكانت للعونيين حسابات أخرى أو مفاجآت مخفية، علمًا أنّ هناك من يفترض أنّ التيار يراهن على أن يبطل طعنه التعديل المتصل باقتراع المغتربين وبالتالي إعادة تثبيت المقاعد الستة في قارات الانتشار اللّبناني وعندها قد تتبدل قواعد اللّعبة.

ولكن، أين حركة أمل وحزب الله من حسابات التصويت الاغترابي؟

من المعروف أنّ “أمل” كانت متحمسة لتعليق بند انتخاب نواب الخارج الذي يتمسك به التيار، فيما أبدى “الحزب” استعدادًا للتجاوب مع الصيغة التي تلقى أوسع قبول نيابي ممكن، خصوصًا أنّه في الأساس مكبّل خارجيًا ولن يستفيد كثيرًا من أيّ شكل للاقتراع الاغترابي، لأنّ العقوبات المفروضة عليه والقرارات المتخذة بتصنيفه إرهابيًا في عدد من الدول تحول دون قدرته على تنظيم حملات انتخابية في تلك الدول وتمنع تكافؤ الفرص بينه وبين خصومه، بمعزل عن إطار المشاركة الاغترابية في الانتخابات.

ولعلّ القرار الجديد لأستراليا بتصنيف حزب الله منظمة إرهابية يؤشر بوضوح إلى هذا الواقع، علمًا أنّ قريبين منه أبدوا خشيتهم من أن يؤدي الإجراء الأسترالي المستجد إلى مزيد من التأثير على داعمي خيار المقاومة في الخارج، وتحديدًا في اتّجاه محاولة منعهم من التصويت للوائحها داخل لبنان تخوّفًا من شبح الملاحقة والمعاقبة.

وتعتبر شخصيّة قريبة من حركة أمل وحزب الله أنّه كان الأفضل لهما التمهل في الموافقة على إعطاء المغتربين حق التصويت، كلٌّ في دائرته، للنواب الـ128، وإلغاء مقاعد القارات وفق ما كان يلحظ قانون الانتخاب قبل تعديله من قبل مجلس النواب.

وعُلم أنّ هذه الشخصية التي تتواصل مع الاغتراب نبّهت احد ركني الثنائي الشيعي إلى وجوب التدقيق جيّدًا في الحسابات “لأنّه يبدو أنّ لدى المغتربين منحى لاعتماد الاقتراع العقابي أو الانتقامي كردّ فعل على الوضع الذي وصل إليه لبنان، خصوصًا أنّ هناك تعبئة تأخذهم في هذا الاتجاه، وبالتالي فإنّ مصلحة” أمل” و “الحزب” قد تكون، وفق هذه الشخصية، في قبول المجلس الدستوري الطعن المقدّم من التيار  الوطني الحر في قانون الانتخاب، كمخرج يسمح بأن يعاد العمل ببند تخصيص المغتربين بمقاعد في الخارج حصرًا.

وتلفت تلك الشخصية إلى أنّ محاذير هذا السيناريو تبقى أقل سوءًا من تلك التي ستترتّب على انفلاش أصوات المغتربين في الدوائر الـ15، “حيث يمكن عندها للفارق الذي قد يصنعوه أن يقلب النتائج في الدوائر التي ستكون مسرحًا لمعارك انتخابية حادّة ولتنافس شرس، بحيث أنّ المغتربين سيصبحون في أماكن عدّة بيضة القبّان التي ستتحكم بمصير بعض اللّوائح والمرشحين، خصوصًا أنّهم في منأى نسبيًا عن ضغط العوامل المحلية التي تحيط بالناخبين في لبنان وتنعكس بهذا المقدار أو ذاك على خياراتهم.”

لكن يوجد في المقابل رأي آخر، يلفت إلى أنّ نسبة الذين سيقترعون حقًّا من بين أولئك الذين سجّلوا أسماءهم في مقرّات البعثات الدبلوماسية اللّبنانية، لن تكون مرتفعة عند فتح صناديق الاقتراع وكثيرون منهم قد يمتنعون عن التصويت لأسباب شتّى، ومن سيصوّتون سيتوزّعون إلى اتجاهات عدّة وبالتالي فإنّ أصواتهم ستتبعثر تبعًا لانتماءاتهم ولن  تستطيع التعديل في مجرى الانتخابات إلّا قليلًا.

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى