ماذا يخفي موقف بري “الكاتم للصوت” حيال الأزمة مع السعودية؟
بدا الصمت الرسمي للرئيس نبيه بري لافتًا منذ نشوب الأزمة بين لبنان من جهة والسعودية وبعض الدول الخليجية من جهة أخرى. هذا الصمت خضع لتفسيرات سياسية عدّة وكان محطّ تأويلات متباينة، أمّا العارفون فيؤكدون أنّ بري قرّر أنّ ينأى بنفسه عن السجالات في هذا الشأن حتى لا يساهم في احراق مراكب العودة إلى شاطئ التسوية، وبالتالي فهو فضّل أن لا يستهلك دوره وأوراقه في الاشتباك السياسي – الإعلامي مع الرياض والعواصم الخليجية الحليفة لها، لكي لا يصبح جزءًا مباشرًا منه وطرفًا من أطرافه، بحيث تنعدم عندها قدرته على طرح أي مبادرة أو إعادة نسج خيوط التواصل مع مقاطعي لبنان.
ومن المعروف أنّ هناك نوعًا من توزيع الأدوار الضمني بين بري “السهل الممتنع” وحزب الله المتحرّر في سلوكه من ضوابط الموقع الرسمي الثاني الذي يشغله رئيس المجلس النيابي، وقد أثبتت هذه المعادلة نجاحها في مناسبات ومحطات عدّة، منها ما يتعلق بالملفات الداخلية ومنها ما يتصل بالقضايا الإقليمية.
وحتى في عز المواجهة بين الحزب والرياض، بقيت خيوط دبلوماسية تربط عين التينة بالسفير السعودي وليد البخاري الذي كان يزورها عند الحاجة، إلى أن انقطع كليًّا عنها لأشهر طويلة قبل أن يخرق هذه القطيعة منذ فترة بزيارة لم تكن كافية لكسر البرودة التي فاجأت بري. كذلك، من المعروف أنّ علاقة مميّزة تربط بري بالقيادة الكويتية، خصوصًا رئيس مجلس الأمّة مرزوق الغانم الذي كان يتناغم مع رئيس المجلس في معظم المؤتمرات البرلمانية والمواقف السياسية، لا سيّما في ما يخص الصراع مع العدو الاسرائيلي.
لكنّ امتناع بري عن الادلاء بدلوه في الجدال حول الأزمة المستجدّة بعد الإجراءات العقابية التي اتخذتها السعودية و”أخواتها” في حق لبنان، لا يعني أنّه ليس لديه موقف ممّا حصل، وإن كان هذا الموقف مزوّدًا بكاتم للصوت حاليًا.
ويشير العارفون إلى أنّ بري الذي هو على معرفة شخصية بقرداحي، سابقة لتعيينه وزيرًا للإعلام، لا يحبذ دفعه إلى استقالة مجانية لمعاقبته على تصريحات صدرت عنه عندما لم يكن قد عُيّن بعد في منصبه الوزاري.
وخيار الاستقالة كان موضع نقاش خلال اللّقاء الذي جمع بري مع قرداحي في عين التينة قبل أيام، حيث تفيد المعلومات أنّ وزير الإعلام لم يسمع من رئيس المجلس ما يدعوه إلى استقالة فورية لا يكون لها مردود إيجابي مضمون على العلاقة اللّبنانية السعودية.
ويلفت المطّلعون إلى أنّ بري يعارض أيضًا الطرح الداعي إلى إقالة قرداحي في مجلس الوزراء، ولو حصل أن انعقدت جلسة لهذا الغرض فكان سيطلب من وزرائه التصويت ضدّ الإقالة، علمًا أنّ تحالفًا وثيقًا يربط بري برئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي لا يزال يعارض الاستقالة المجانية لقرداحي المحسوب عليه، مطالبًا بأن تكون جزءًا من حلّ متكامل حتى يوافق عليها، وهو أبلغ رئيس الحكومة بهذا الطرح خلال اجتماعه به في “بلاتينيوم.”
وعندما زار الأمين العام المساعد للحامعة العربية حسام زكي عين التينة خلال جولته الاستكشافية الأخيرة على المسؤولين اللّبنانيين، حاول أن يسوّق لدى بري لمبدأ استقالة قرداحي، إلّا أنّ برّي عاجله برفض البحث في استقالة معزولة أو مفصولة عن خارطة طريق للحل الشامل، مشدّدًا على وجوب أن تكون هناك آلية متكاملة لتصحيح مجمل العلاقة بين بيروت والرياض وعدم اختصار المشكلة والحل بشخص قرداحي.
ولفت برّي انتباه ضيفه إلى أنّه عندما تمّت إقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبي بسبب موقفه من البدو، لم تُقابِل السعودية هذه المبادرة بالإيجابية المفترضة ولم تصلنا منها ولو تنكة بنزين واحدة.
ويكشف المطّلعون أنّ بري أبدى أمام الزائر العربي استغرابه لكون السفير السعودي في بيروت اختار عشية مغادرته لبنان أن يزور شخصية واحدة لتوديعها (في إشارة إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع).
وأكّد بري في الوقت نفسه لممثل الجامعة العربية حرصه على أفضل العلاقات مع السعودية ودول الخليج، داعيًا إلى مقاربتها وفق قواعد سليمة وثابتة.
وعليه، يمكن اختصار معادلة بري بالآتي: نعم لعودة العلاقة مع المملكة ودول الخليج إلى طبيعتها، ولا لفرض استقالة من دون مقابل على قرداحي.
ولئن كان البعض يعتبر أن استقالة قرداحي “واجب لبناني” بمعزل عن الموقف الخليجي ومن شأنها أن تلجم التصعيد الخليجي وتفتح باب الحوار الموصد حاليًا وهذا يكفي لتقديمها، توحي في المقابل “الحاضنة السياسية” لوزير الإعلام أنّ الثمن المطلوب من الاستقالة، لكي تتم، هو التراجع عن التدابير التي اتخذتها الرياض وعواصم خليجية عدّة وعودة السفراء إلى لبنان. فهل من حلّ وسط يمكن ابتكاره للتوفيق بين هاتين الوجهتين أم أنّ الأزمة ستستمر حتى إشعار آخر؟.