منوعات

بين حزب الله وبكركي أزمة اكبر من راجمة

خلط عصف الصواريخ التي أطلقها حزب الله على مزارع شبعا  المحتلة الجمعة الماضي الأوراق في الداخل اللبناني والكيان الاسرائيلي. ومع ان جرعة  الصواريخ كانت مدروسة بعناية، وموجهة عمدا نحو مساحات مفتوحة في محيط مواقع اسرائيلية داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة ردا على الغارات الجوية التي استهدفت مناطق مفتوحة في الجنوب للمرة الأولى منذ عام 2006، الا ان ذلك لم يكن كافيا لاقناع بعض الجهات الداخلية بمشروعية هجوم المقاومة وصواببته.

ولعل الموقف الذي اتخذه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي خلال عظة الاحد كان الأشد دلالة ووقعا، اولا من حيث الشكل كونه صادرا عن رمز الكنيسة المارونية في لبنان والمشرق، وثانيا من حيث المضمون الذي انطوى على دعوة الجيش الى منع إطلاق الصواريخ من الجنوب بالترافق مع المطالبة بالعودة الى اتفاق الهدنة الذي تجاوزته الاجتياحات وحولته رمادا.

وقد ولّد موقف الراعي موجة من ردود الفعل المعترضة لدى البيئة المؤيدة للمقاومة والتي ترجمت غضبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما أفضى الى ردود مضادة من شخصيات وقوى مسيحية دافعت عن البطريرك الماروني وحريته في ابداء رأيه.

وقد عكس هذا التجاذب الحاد، مرة أخرى، استفحال الخلاف والانقسام في لبنان حول ما يُفترض ان تكون بديهيات ومسلمات وطنية تتصل بحماية اَلارض ومواجهة العدو الاسرائيلي، وأظهر استطرادا ان الازمة  بين الحزب وبكركي أكبر من حدود تباين في مقاربة حدث ميداني.

ولأن مفاهيم الصديق والعدو والسيادة والخيانة والوطنية هي في هذا البلد مجرد وجهة نظر، وليست ثوابت محسومة استنادا الى تعريف واضح لها، فأن الاعتداءات البرية والجوية الإسرائيلية الصارخة على الجنوب لم تستفز البعض ممن سارع في الوقت نفسه الى ادانة رد المقاومة واعتباره انتهاكا لسيادة الدولة اللبنانية!

وبهذا المعنى، فإن النزاع المتمادي حول الحكومة منذ اشهر لا يعدو كونه تفصيلا في أزمة اكبر وأكثر تعقيدا هي كناية عن أزمة كيان بني على المجاملات والتسويات.

وتؤكد اوساط قريبة من حزب الله أن “خطوات المقاومة محسوبة ومدروسة بعيدا من المغامرات الارتجالية والعبثية التي لا طائل منها، وهذا ما اثبتته العملية الأخيرة في محيط مواقع العدو الاسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة.”

وتشدد الاوساط على أن “المقاومة أرادت افهام الاحتلال مرة أخرى ان ليس هناك من عدوان بلا رد، حتى لو كان يستهدف مناطق مفتوحة”، مشيرة الى ان الغارة الجوية على الجنوب اتت من خارج السياق المعهود منذ عام 2006, وشكلت انتهاكا شديد الخطورة لقواعد الاشتباك، “وبالتالي فإن المقاومة كانت ملزمة بالرد السريع لاعادة تثبيت تلك القواعد ولمنع الاسرائيلي من محاولة فرض اي امر واقع جديد في الميدان.”

وتشير الاوساط الى ان “اليونيفيل والجيش هما المعنيان حصرا بكشف ملابسات اي حادثة تقع في نطاق القرار 1701 من قبيل إطلاق الصواريخ المجهولة على شمال فلسطين المحتلة في الفترة الاخبرة، وحزب الله لن يكون قطعا حرس حدود للكيان الاسرائيلي.”

وتلفت الاوساط الى ان المقاومة افهمت العدو بأنها ستبقى له بالمرصاد مهما كانت التعقيدات الداخلية ومهما اشتدت أزمات الواقع اللبناني، وبالتالي عليه ان لا يخطئ في تقديراته، “ونحن نظن انه التقط الرسالة التي وصلت بوضوح كامل.”

وتعتبر الاوساط  ان الرسالة النارية أتت محسوبة بدقة للجم العدوانية الإسرائيلية “من دون التدحرج الى تصعيد كبير، مع التشديد على أن المقاومة مستعدة لكل الاحتمالات وهي في أعلى جهوزية لمواجهة اي مغامرة من قبل العدو.”

وترجح الاوساط القريبة من الحزب ان الاسرائيلي ليس جاهزا لحرب شاملة ضد لبنان  لمعرفته بانه غير قادر على احتواء تداعياتها وتحمل تبعاتها، “علما انه توافرت له خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب البيئة الاستراتيجية للحرب، الا انه لم يشنها لخشيته من مفاعيلها ولعدم ثقته في قدرته على حسمها.”

وتسخر  الاوساط من ربط بعض الاصوات اللبنانية بين رد المقاومة في مزارع شبعا والحسابات الإيرانية في الإقليم على وقع ما سميت بحرب الناقلات والسفن، واصفة هذا التفسير بانه تافه ومضحك، ومعتبرة أن أصحابه يتجاهلون الاعتداءات الإسرائيلية ويتعاطون بانتقائية مع مسألة السيادة.

وتجزم الاوساط بأن الحزب “انطلق في عمليته من دوافع لبنانية فقط تتصل بحماية لبنان والاستقرار الجنوبي، مع العلم ان التطورات الإقليمية تصب في مصلحة محور المقاومة وبالتالي لا الحزب ولا إيران محرجان حتى يستخدمان الساحة المحلية في تجاذبات الساحة الإقليمية.”

وتبدي الاوساط اسفها “لاستسهال البعض استعمال اي ملف، مهما كان حساسا ودقيقا، في النزاعات الداخلية ولعبة تصفية الحسابات، كذلك هناك من يسعى عبر مواقفه النافرة الى ارضاء الخارج وإثبات التقيد باجندته.”

 

عماد مرمل

اعلامي ومقدم برامج لبناني. حائز على إجازة في الصحافة من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. عمل في العديد من الصحف السياسية اللبنانية. مقدم ومعد برنامج تلفزيوني سياسي "حديث الساعة" على قناة المنار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى