فيلم Belfast: غصّة التهجير وإن اختلف المكان.. واحدة!
فيلم “Belfast” هو عبارة عن سيرة ذاتية جزئية لمدينة “Belfast” في إيرلندا الشمالية، وجد فيها المخرج “Kenneth Branagh” ما يلفت الوجدان، فحوّلها إلى فيلم سينمائي عمّا حصل في هذه المدينة عام 1969، إذ عاد المخرج إلى تفاصيل طفولته ونسج مشاهد الفيلم ليصبح كأنه استرجاع لهذه الذكريات المبعثرة من بين صفحات التاريخ الشائكة.
تُروى قصة الفيلم من خلال أعين الصبي “Buddy” أو Jude Hill ذي التسع سنوات والذي يعيش طفولته دون أن يستوعب الأحداث التي تجري حوله، وهي مرحلة الإضطرابات التي نشأت بين البروتستانتيين والكاثوليكيين. “Buddy” هو من عائلة بروتستانتية متعايشة بسلام مع جيرانها الكاثوليكيين، إلّا أن عائلته ومع كل ما يحيطها من تطورات واضطرابات سياسية، كانت تعاني من مشاكل أخرى، فوالديه “Caitríona Balfe” و”Jamie Dornan” كانوا يتخبطون في معاناة تأمين الإيجار والضرائب إلى جانب المشكلة الأساس وهي غياب والده لفترات طويلة عن المنزل وهو يلاحق أي فرصة عمل تتاح له محاولاً تأمين احتياجات عائلته.
رغم كل هذه الضوضاء التي كانت تحيط بـ”Buddy”، لكنه كان يستمتع بطفولته، وما يهمه فعلاً هو اللعب في الشارع مع رفاقه، وقضاء وقته مع جدّيه “Judi Dench” و”Ciarán Hinds”، ومرافقتهما إلى السينما وهي المتنفّس الأحب إلى قلبه في ظل كل هذه الظروف الصعبة، إضافة إلى ملاحقة زميلته الجميلة في المدرسة. هذا كان عالمه وهذه هي سعادته، غير أن والديه كانوا يتخبطون محاولين أخذ القرار لناحية البقاء في “Belfast” أو الرحيل عنها نتيجة التدهور الكبير التي باتت تبعاته واضحة وخطرة جدّاً.
عالم “Buddy” يهتز، ومساحته الآمنة تتزعزع، لكن وبالرغم مما يحصل، هو كتلة من الطاقة والنشاط، يحفر طريقه إلى النضوج محاولاً فهم ما يحصل، سواءً خارج أو داخل منزله. لكنّه في الوقت ذاته ما زال صغيراً يستمتع بتفاصيل يومه من خلال أعين من حوله، فجدّيه مثلاً يمثّلان لـه معنى الحب وجماله، كذلك كان انسجام عائلته مع محيطها من الجيران المختلفين عنهم دينيّاً وسياسياً، يعني له الأمان.
لكن اشتعل فتيل الفتنة الذي نتج عنه حرب دامت ثلاثة عقود، وما زال جمرها يتّقد حتى الآن تحت الرماد.
الفيلم يُظهر مدى أهمية الإرتباط بالجذور، التي تطبع بصماتها في ذاكرة البشر، والتي وإن غابت لسنوات، سيظهر تأثيرها بطريقة أو بأخرى في حياة كل شخص منّا.
كما أن الفيلم سيكون له تأثير خاص على أي شخص عاش تجربة “التهجير القسري” عن بلده أو مدينته أو قريته، لكون جميع من عاش هذه التجربة يتشاركون نفس الأحاسيس وإن اختلفت التفاصيل.
بعض النّقاد اعتبر الفيلم “أنه العمل الأبرز لـ”Branagh” منذ سنوات” وأنه “تجربة شخصية أيقظها المخرج من عمق ذاكرته لُتظهر حقيقة الأحاسيس المتناقضة والمتخبطة لطفل صغير نتيجة اهتزاز عالمه”.
والبعض الآخر من النقّاد انتقدوه قائلين “إنه مجموعة ذكريات مبعثرة، جمعها المخرج في فيلم، لكنه تغاضى عن تفاصيل كثيرة حدثت وكأنها مرّت مرور الكرام، دون التركيز عليها بالرغم من كونها مفصلية في تلك الحقبة”.
ليس من المستغرب أن يتناقض النقّاد السينمائيين فيما يتعلق بتقييم “Belfast”، فالفيلم بحد ذاته عبارة عن مجموعة تناقضات تجمع بين الأحداث الفرحة والحزينة، التي رسمها المخرج ضمن إطار الفكاهة والجدية في آنٍ واحد.
منال زهر