السعودية تشترط انسحاب “حزب الله” من سوريا مقابل إنهاء أزمة لبنان
وساطة قطرية بموافقة "المملكة"؟
بعدما فشِلت المساعي الداخلية والخارجية لإحداث خرقٍ في جدار الأزمة الدبلوماسية بين لبنان والسعودية، تصاعدت وتيرة المواجهة السياسية والإعلامية بين المملكة و”حزب الله”، في ضوء التصعيد في المنطقة الذي طال أكثر من ساحة من اليمن إلى العراق فسوريا، بالتزامن مع تجميد الحوار السعودي – الإيراني.
وفيما اشتد الضغط السياسي والإعلامي على “حزب الله”، بعدما انضمّ إليه مؤخراً رئيس الحزب الإشتراكي، وليد جنبلاط، الذي يزور المملكة قريباً، باتجاه التنازل في ملفين: الأول استقالة أو إقالة وزير الإعلام جورج قرداحي لفتح باب الحل مع المملكة ومجلس التعاون الخليجي، والثاني فك اعتكاف الوزراء الشيعة و”المردة” عن حضور جلسات مجلس الوزراء، وفصل المسار القضائي في قضية انفجار مرفأ بيروت عن الحكومة، لكن بات لدى دائرة القرار في الحزب، بحسب ما يشير المطلعون على موقفه لـ”أحوال”، قناعة بأن “السعودية افتعلت الأزمة مع لبنان لتسخين المعركة مع محور المقاومة و”حزب الله” تحديداً، بعدما رفضت إيران شرط لجم النشاط العسكري لحركة “أنصار الله” في اليمن، مقابل استمرار الحوار بين الرياض وطهران. ولما رفضت الأخيرة ذلك، أعلنت المملكة وقف الحوار واندفعت باتجاه حليف إيران في لبنان للضغط الأقصى عليه ودفعه لتقديم تنازلات في اليمن بعد اقتراب سقوط مأرب، آخر معاقل السعودية في اليمن”.
لذلك، يرى الحزب بحسب المطلعين، أن “القضية أبعد من استقالة وزير التي لن تقدم سوى نصرٍ سياسي – إعلامي – معنوي مجاني للمملكة، لا تستحقه بعد فشلها في ساحات عدة، فضلاً عن أن لائحة مطالبها لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستتسع اللائحة إلى دور الحزب في المنطقة ولا سيما في سوريا”.
وقد كشف مصدر مطلع لموقعنا، أن “الشرط السعودي “غير المعلن” لا يتعلق باليمن فحسب، كون السعوديون يدركون بأن لا وجود عسكري مباشر للحزب في اليمن وبالتالي لا يؤثر موقفه على مسار الحرب في صنعاء والتي بلغت نهاياتها لمصلحة الحوثيين، لذلك فثمن إنهاء الأزمة مع لبنان وفتح أبواب الخزائن المالية لدعمه، له شرط أساسي وهو انسحاب قوات “حزب الله” من كافة الأراضي السورية”.
وما يعزّز هذه المعلومات، هو ما أشارت إليه أوساط واكبت لقاءات الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، حسام زكي، الذي نقل لقيادة الحزب عبر وسطاء رسميين محليين بأن “القيادة السعودية تطلب انسحاب الحزب من سوريا كثمن لإنهاء الأزمة والمشاركة في مؤتمرات الدعم المالي للبنان”، إلا أن الحزب، بحسب المطلعين، “رفض مبدأ فرض الشروط في الأساس، إلى جانب تأكيده لزكي بأن موضوع خروجه من سوريا أو بقائه تقرّره الدولة السورية وليس الحزب الذي دخل بطلب من الدولة”.
وتتوقف المصادر عند الضربة الاسرائيلية الجوية على سوريا، والتي جاءت على وقع زيارة زكي إلى بيروت، ما يعزّز الربط بين مطلب المملكة خروج الحزب من سوريا وهدف زيارة زكي، علماً أن خروج الحزب من سوريا هو أحد المطالب الأساسية للحكومة الاسرائيلية لارتباطه بضمان أمن “إسرائيل”، لا سيما من جبهة الجولان.
وبعدما رفض رئيسَي الجمهورية والحكومة الإنصياع للإملاءات السعودية بإقالة قرداحي أو استقالة رئيس الحكومة، وكذلك فشل التهديدات بترحيل اللبنانيين في الخليج وتعثّر مساعي الجامعة العربية، تحدثت أوساط دبلوماسية لـ”أحوال” عن “وساطة قطرية يحملها وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بتكليف من أمير قطر الذي تلقى طلباً من ميقاتي خلال “القمة” المناخية في اسكتلندا بالتدخل على خط الأزمة”، لكن المصادر تشير إلى أن “الوساطة هذه المرة بموافقة وتغطية وربما بطلب من قيادة المملكة، لكن لم يُعرف مضمونها”.
وبحسب معلومات “أحوال”، لم تُحدد زيارة الوزير القطري حتى الساعة، بعدما كان المفترض وصوله اليوم إلى بيروت.
لذلك، لا يريد الحزب، كما يشير المطلعون على موقفه، “تكريس مبدأ نجاعة الضغوط لدفع لبنان للتنازل وتسجيل سابقة في هذا السياق، ما يشجّع المملكة وربما قوى أخرى كـ”إسرائيل” والولايات المتحدة على استخدام هذا السلاح الدبلوماسي الاقتصادي السياسي لتحقيق أهدافهم على حساب لبنان ومقاومته وحقوقه وسيادته وكرامته، ما يمس بالتوازن القائم بين المحورين في الإقليم، لذلك قرر الحزب المواجهة لحماية المعادلة القائمة”.
ويؤكد المطلعون لموقعنا أن “الحزب يدرك أن السعودية اختارت اللحظة السياسية للتصعيد بإتقان لتحصيل أوراق التفاوض وتحصين موقعها التفاوضي، قبل حلول التسوية في المنطقة التي لاحت بوادرها عبر زيارة وزير الخارجية الاماراتي إلى دمشق أول من أمس ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، فاختار الحزب بالمقابل رفع سقف التحدي لمنع المملكة من استخدام الورقة اللبنانية، والإحتفاظ بزمام المبادرة بيده على قاعدة أن لا يحق للمهزوم أن يفرض شروطه فيما يُقدم المنتصر التنازلات”.
وثمة حديث في الكواليس الدبلوماسية عن تسوية شاملة قريبة للملف السوري، شقّت طريقها عودة الامارات الى دمشق، ستُتوج بمشاركة سوريا في القمة العربية المقبلة التي ستُعقد في الجزائر في آذار المقبل، وبالتالي تعود دمشق رسمياً إلى مقعدها في الجامعة وتفتح العلاقات مع جميع الدول الخليجية، ويتمخّض عنها تسوية لخروج القوات المسلحة الأجنبية الموجودة في سوريا لا سيما “حزب الله”، وذلك قبل انعقاد القمة، الى جانب القوات الأميركية في شمال سوريا وتسوية للقوات الكردية وللوجود التركي وبسط سيطرة الجيش السوري على كامل أراضيها، وإعادة إعمار سوريا. وبموازاة ذلك، يجري التقدم على صعيد ملفين: المفاوضات الاميركية – الايرانية حول الملف النووي، والثاني الحوار السعودي – الايراني.
إلا أن تعثّر الحل السياسي للحرب في اليمن يعرقل مسارات التسويات في المنطقة، لا سيما الحوار بين طهران والرياض التي تشعر بمأزق كبير بعد تقدّم قوات الحوثيين في مختلف المناطق واقتراب سقوط مأرب في قبضة “أنصار الله”. لهذا السبب، لا تريد المملكة الظهور بمظهر المنكسرة والمهزومة بعد 6 سنوات من الحرب، فتسعى عبر حلفائها للخروج من الحرب بتسوية تحفظ لها ماء الوجه كقوة اقليمية في المنطقة، لها وزنها العربي والاسلامي، فضلاً عن عامل “الحساسيات القبلية” الذي يحكم العلاقة التاريخية بين بلاد اليمن والحجاز.
محمد حمية