“خرزة زرقا”.. عمل رشيق لكن لا يفجّر زوبعة
“خرزة زرقا” إسم لا يشي بـ”صيبة العين”، ومضمونه لا يرتبط بمسماه. عمل درامي يكشف النقاب عن فكرة الحب وسط المستحيل. إنّها الحكاية المعهودة، فالغني لا يقترن بالفقير، وهذا الأخير دوماً يقع فريسة وضحية في يد من يملك السلطة والمال.
القصة تبدأ من الحب وتتفتّح أسرارها مع مرور كل حلقة أكثر، ولا تبقى عند شطأن واحدة. فمن نظنّه بطلاً يصبح ألعوبة، ومن لا نعيره اهتماماً يصبح هو البطل الحقيقي. هذه فكرة ذكية اعتمدتها الكاتبة كلوديا مارشليان في سياق تطور الأحداث.
لا يوجد بطل واحد في “خرزة زرقا”، فالقصة متشابكة ولكل شخصية دورها المحوري الذي يميّز حضورها. “زين” أو “معتصم النهار”، العاشق المغبون الذي لم تطفئ السنوات جزوة حبّه لـ”عليا” أو “رولا بقسماتي” التي تزوّجت وسافرت وصار عندها عائلة، وبقي زين يريد شرحاً ويسعى إلى الانتقام وتتنازعه مشاعر متناقضة بين الحب والنقمة، الحنين والثأر، محاولاً ان ينشل نفسه عالياً ليثبت للجميع أنه ذاك الفقير الذي بات غنياً ويستحق التقدير.
تشدّد الكاتبة على تطوّر الأحداث وشدّ حبكة العمل بالغموض أكثر من استنباط حوارات نوعية بين الابطال، حيث تبدو هذه الحوارات ناقصة وغير بليغة ولا تصل الذروة، تاركة للأحداث أن تولّد عامل الصدم والجاذبية، علمًا أن الكلمة هي لغة المحيا لدى الممثّل، وهي التي تمسك صوته وحشرجته وغضبه ورأفته. فالحدث قوي والكلمة واهية، والحوارات مجرّد إنشائيات ابتدائية لأبطال يعيشون المأساة واللوعة.
رولا بقسماتي البطلة التي استطاعت أن تعبر من مقاعد الإعلام إلى بلاط التمثيل بالكثير من الاجتهاد والإقناع، تستحق بطولة ومكانة متميّزة في عالم الفن الذي طرقته دون ابتذال، فهي شرنقة قادرة على التحوّل والتطوّر من مرحلة إلى أخرى لتصبح فراشة تاركة وراءها خيوطاً من حرير تحكي مسيرتها الطازجة بالكثير من الجمالية.
بديع أبو شقرا المخضرم الذي رسم خطاه بالكثير من الأدوار المختلفة والمتغيرة، لكن هو من أولئك الذين يحملون أبجديتهم كما هي، فوجه الغضب عنده واحد ووجه الحب واحد ووجه الخسة واحد. لم يستطع أبو شقرا أن يبتكر شخصية مولودة من نطفة التجديد الخالص، يلبسها نعم لكن لا يولدها بانفراد، فدومًا نستطيع أن نتنبّأ محياه ونبرته وحركاته بحسب المشهد المطلوب.
وعلى خطى أبو شقرا يمشي معتصم النهار كممثل، فهما من نفس المدرسة التي تقدّم الوجه نفسه في الموقف نفسه. الابتكار قليل حتى ولو كان الدور كبيراً، فدوماً لدى المتلقّي حدس كيف سيتماشى الممثل مع المشهد. هذا اليقين مضرّ للفنان ويقلّل من الشغف، لأن الفن لا يعترف بالرتابة والإستنتساخ.
طوني عيسى بدور “خليل” كما في أي دور طرقه مؤخراً، قادر أن يؤلّف صيغته ويرتدي شخصيته مهندماً بكل تفاصيلها، حتى ولو كانت تلك الشخصية مهزوزة وغير سوية، فهو ينبئ مبكراً بمكنون هذه الشخصية من خلال سمات يتبعها. هو يعيش الدور وينغمس فيه لحد نقتنع أنه وُلد كذلك. طوني عيسى ممثل تتفتّح بتلاته كل يوم أكثر، ينبئ بأن ثماره لا طائل لها. لقد جاء بالدور كاملاً، مريض نفسي وشخصية محطّمة ومن أول لحظة كشفنا مستوره وجاء بالشخصية كاملة متكاملة.
من المرات النادرة التي تخوض كارمن لبّس دور فيه سمات الضعف، وهذا إضافة لها وليس انتقاصاً. هي دوماً الشخصية الطاغية والقوية والتي لا يجرؤ أحد على الوقوف أمامها. هي هنا شخصية هزيلة وأم ضعيفة تجري المياه من تحت أقدامها، غير مدركة بالمخاطر والمآسي التي يعيشها أبنائها، وكما هي دوماً قادرة على شحذ البصر والبصيرة نحوها. كارمن لبس شخصية استثنائية كيف ما برم فيها النص، صانعة للدراما شاغلة الشاشة حتى ولو كانت أماً هشّة.
“خرزة زرقا” عمل يعبر بهدوء دون أن يثير زوبعة أثناء مروره. ينبش في ظلم هذه الحياة ويكشف عن خساسة بعض أفرادها ومعاناتهم وعقدهم وحبهم، لكنّه لا يشيع غباراً ولا يشعل حريقاً. عمل مرن ومطواع، لكن ينقصه الزخرفة التي تجعل من سديمه لوحة متفردة.
كمال طنّوس