مجتمع

تصحيح الأجور: بين العوائق والمتاجرة الانتخابية

أمام الواقعين الاجتماعي والاقتصادي المريرين في لبنان، برزت دعوات كثيرة من الاتحاد العمّالي العام ومن النقابات والجمعيّات بضرورة تصحيح الأجور للقطاعين العام والخاص، لتعويض شيء من الخسارة الفادحة التي لحقت برواتب الموظفين، ولتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للعائلات اللّبنانية، الأمر الذي لاقى ترحيبًا من بعض الاقتصاديين فيما عارضه آخرون.

تصحيح الأجور أمر ضروري جدًّا في هذا الواقع المأساوي الذي يعيشه المواطنيون، لكن شرط ضبط الأسعار وهذا الأمر صعب جدًّا في لبنان، وفق ما أكّد الباحث في الشّأن الاقتصادي زياد ناصر الدين في حديثه لـ”أحوال”، لافتًا إلى أن هناك مشكلة لدى من يتعاطى في الشأن الاقتصادي في البلد، فاليوم يريدون الذهاب إلى صندوق النقد الدولي من أجل تصحيح الأجور، مع العلم أنّ أحد شروط الصندوق عدم رفع الأجور.

وأشار ناصر الدين إلى أنّ أحدًا لا يريد أن يعترف أنّ الاقتصاد اللّبناني مفلّس، وهذا الاقتصاد ليس اقتصادًا منتجًا بل إنّه ريعي، وبالتالي في الاقتصاد الريعي تصحيح الأجور يعني تصحيح الأجور للقطاع العام، لأنّ القطاع الخاص يحتاج إلى إنتاج من أجل القيام بهذه الخطوة، مع العلم أنّ القطاع الخاص رفع أسعاره لكنه لم يصحّح أجوره.

تصحيح الأجور يجب أن يتم ضمن خطة اقتصاديّة متكاملة والتوجّه لواقع اقتصادي مختلف، أيّهما أفضل تخفيض سعر صرف الدولار أم تصحيح الأجور؟

يرى ناصر الدين أنّ الخيارين ضروريّان “فمهما خفض سعر الدولار يبقى تصحيح الأجور أمر ضروري، لكنّه لن يكون بالمستوى الذي يرتفع فيه الدولار”، سائلًا “إذا صحّحنا الأجور اليوم والدولار بعشرين ألف ليرة، من الذي يضمن بأن لا يرتفع الدولار إلى الأربعين ألف؟”.

وأكّد ناصر الدين أنّ قرار تصحيح الأجور يقع على عاتق الحكومة، وحتى اليوم الحكومة بطيئة، وأوّل نقطة يجب القيام بها هي الانتهاء من موضوع الموازنة لنعرف حقيقة الوضعين المالي والاقتصادي، من أجل وضع الخطط الضروريّة للانقاذ، لافتًا إلى أنّ المشكلة هي في اقتصادنا المدولر وليس المنتج، إذ يجب العمل على السياسات الإنتاجية ودفع التحفيزات لزيادة الإنتاج، فالأموال من الاحتياطات صُرِفت وذهبت لجيوب التجار ولخارج لبنان، نحن عاجزون عن إقرار قانون الـcapital control ، فكيف سنقرّ قانون تصحيح الأجور؟.

نحن بحاجة إلى إصلاح فعلي وتحريك عجلة الإنتاج، وأي خطّة في المستقبل لا يجب أن تكون على حساب الناس، فلا يجوز الذي يحصل من رفع للدعم عن كل شيء وترك الناس لمصيرها، وأوّل ملف من هذه الملفات التي يمكن أن تنتشل لبنان من أزماته هو ملف الغاز الذي تهمله الدولة، وفق ما أكّد ناصر الدين.

لا شكّ أن تصحيح الأجور أمرٌ ضروري، ليس من باب الترف وإنّما من باب التخفيف من ويلات الأزمات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، لكن هذا القرار من الضروري أن يكون مدروسًا لتجنّب كوارث التضخم، فيبقى البلد في الدوّامة نفسها، كما من الضروري التعامل مع هذا المطلب على أنّه مطلب إنساني بحت وليس شعارًا انتخابيّا يحمله البعض للمرحلة المقبلة.

 

منير قبلان

منير قبلان

باحث قانوني. إعلامي ومعد برامج وتقارير سياسيّة واجتماعية. يحمل شهادة الماجيستير في الحقوق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى