الشقيقتان جنى وفاطمة توفيتا حرقاً متعانقتين… ماذا يقول عمّهما عن المأساة؟
جنى (9 سنوات )، وفاطمة (10 سنوات )، شقيقتان لا تفارقان بعضهما وكأنهما توأما الروح. تتشاركان الحياة في كل شيء، تستيقظان معاً ، ترتديان ملابسهما، تتناولان الإفطار، وتذهبان للهو واللعب.
هما آخر عنقود العائلة، المدللتان اللتان تضيفان الى أجواء المنزل طعماً مختلفاً. منذ انتشار جائجة كورونا تفضّل والدتهما ان يلتزما المنزل للعب، كي لا تتخالطان مع أحد بهدف الوقاية.
جنى وفاطمة لم تستمتعا بالحياة كأترابهما من الأطفال، ولأنهما لا يفترقان عن بعضهما، جاءهما الموت وهما متعانقتين، بعدما شبّ حريق داخل منزلهما وتوفيتا وهما تحتضنان إحداهما الأخرى.
مأساة حقيقية حلّت بعائلة المصطفى. العائلة التي تتألف من الوالدة ناريمان وأطفالها: الضحيتان جنى وفاطمة ، إضافة ً الى مريانا (15 سنة ) والابن البكر محمد (21 سنة ).
السابعة والنصف من مساء السبت 12 أيلول. قبل دقائق من التوقيت المذكور كانت حياة العائلة مختلفة. الصغيرتان جنى وفاطمة تجلسان على الكنبة في المطبخ تلهوان على جهاز “الايباد”، بيما تقف الوالدة الى جانبهما تحضّر الطعام. في هذا الوقت تدخل الاخت الكبرى مريانا لتحضير الشاي لصديقتها التي تنتظرها على شرفة المنزل. لحظات وينضم اليهم محمد وبيده وعاء كبير من الوقود كان ينوي استعماله لتشغيل دراجته النارية.
في الوقت نفسه، تُحضر مريانا ابريق الشاي وتقترب من الفرن لتشغيله، دون أن تدرك ما الذي يحمله أخاها، فما هي إلا لحظات حتى يحترق المطبخ بكامله وتلتهم النيران جسد الطفلتين .
لم ينجح احد في انقاذهما. محمد ومريانا أُصيبا بحروق بالغة، كذلك الوالدة التي اعتقدت لوهلة أن هناك من أخرج الطفلتين من المنزل وأنقذهما. لكن جنى وفاطمة لم تقاوما النيران وفارقتا الحياة فوراً.
تأخّر وصول العناصر التي ساهمت في إخماد النيران الى المكان. المنزل يشتدّ اشتعالاً والوالدة ناريمان تٌقنع نفسها أن الصغيرتسن بخير. بعدها حضرت العناصر وأخمدت الحريق. نجا أفراد العائلة من الموت بأعجوبة إلا جنى وفاطمة . لم تتحرك الصغيرتان من مكانهما. ولحظة حدوث الحريق احتضنت الأخت الأخرى، لم تستطعا مقاومة النيران، وودعتّا الحياة سوياً.
تأتي هذه الرواية على لسان عمّ الأولاد الأربع ومعيلهم بعد وفاة والدهم. العمّ الذي يعجز لسانه عن وصف مأساة الأم المفجوعة ، والتي ترفض التحدّث الى أي شخصّ قبل أن تجد صغيرتيها.
ترفض أن تصدّق ما شهدته عيناها. تُقنع نفسها أنّهما بخير وستناديها بعد قليل، حين تشعران بالجوع وتطلبان منها تحضير الطعام. ترفض فكرة الموت على الإطلاق…
لم تلملم ناريمان جراحها بعد، وهي الأمّ التي تتحمّل مسؤولية العائلة وتربية أولادها اليتامى.
فقدت زوجها منذ 4 سنوات بعد صراع مع مرض السرطان. لم تستفق بعد من مأساة غيابه وتركها وحيدةً ، لتجد نفسها اليوم أمام فاجعة قد يصعب عليها أن تتخطّاها بسرعة.
أين جنى، أين فاطمة؟ عبارة لا تفارق لسان الام الثكلى. الأمّ التي كانت تحضّر الطعام لطفلتيها لأنهما جائعتان. لن تبكيهما، ترفض فكرة رحيلهما مجدّداً. كان من المتوقع ان تعود الطفلتان الى مقاعد الدراسة بعد أيام من موعد كتابة هذه السطور، وتلتحقا أصحابهما في مدرسة “الرحمة” التابعة لجمعية المبرات الخيرية.
حين يحلّ موعد العودة ، ستستيقظ ناريمان باكراً لتحضّر الزي الدراسي الخاص بالطفلتين جنى وفاطمة. ستملىء حقيبتهما بالسكاكر التي ترغبانها دائماً، وستعد لهما تسريحة الضفيرة المفضّلة. ستحضر الحليب لتتناولاه قبل المغادرة ، وطبعاً لن تنسى الطفلتان معانقة والدتهما الى حين لقائهما بها من جديد في موعد الغداء.
هذه المرة لن تحضر الصغيرتان على الموعد كالمعتاد. ستتركان والدتهما وحيدة تنتظر عودتهما على شرفة المنزل. ستتناول ناريمان الغداء لوحدها. هي لن تتجاوز لوعة الحزن على فراقهما. فكل ما تحتاجه الآن هو الصبر والنظر الى السماء للتأكدّ أنه بعد اليوم أصبح لديها ملاكان صغيران تعيشان في مكان أفضل.
زينة برجاوي