منوعات

هل تنفجر “قنبلة” الإصلاحات بالحكومة أم تُرحّل لما بعد الإنتخابات؟

درويش لـ"أحوال": زيارة ميقاتي رسمت طريق الإنقاذ.. والترجمة قريبًا

باستثناء المؤشر السياسي لزيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأوروبية الذي بدأها من باريس للدلالة على دور فرنسا في “طبخ” التسوية مع واشنطن وطهران وتوّجَت بتأليف الحكومة، لم تؤشّر نتائج الزيارة إلى أي انفراجات جدّية على المستويَين المالي والاقتصادي، ولا عن مواعيد محدّدة للدعم المالي الموعود الذي تمّ ربطه بشكل حاسم بالإصلاحات الجذرية في الاقتصاد اللبناني.

مصادر فرنسية مطّلعة واكبت اجتماعات باريس أشارت لـ”أحوال” إلى أن “الفرنسيين طلبوا تعهّدات عالية السقف من الحكومة”، كاشفة أن “ماكرون أبلغ ميقاتي ضرورة المباشرة بأسرع وقت ممكن للعمل على إقرار الإصلاحات المطلوبة واستئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي، واضعاً معادلة حاسمة: لا أموال بلا إصلاحات”.

وغاص ماكرون، بحسب المصادر، مع ميقاتي خلال لقائهما في تفاصيل سلّة الإصلاحات، إذ شدّد على أهمية إصلاح قطاع الكهرباء وتعيين الهيئات الناظمة ورفع التعرفة، بالتوازي مع تحسين التغذية لما يشكله هذا القطاع من نسبة عجز مرتفعة في الخزينة العامة وكلفة على مصرف لبنان.

ومن الإصلاحات أيضاً، وفقًا للمصادر، رفع الضريبة على القيمة المضافة وإصلاح الإدارة وتخفيض عدد الموظفين في القطاع العام، وتخفيض رواتب الكثير من الفئات الوظيفية ذات الرواتب المرتفعة. ولفتت المصادر إلى أن “هذه البنود في الأصل شروط صندوق النقد الدولي قبل أن يقرّر مساعدة لبنان وشكل هذه المساعدة والآليات وكيفية السداد”، مضيفة: “العين الفرنسية على الإنتخابات النيابية، وقد أكد ماكرون لميقاتي ضرورة إجرائها في موعدها ورفض تأجيلها، لاعتبار أنها أحد الإصلاحات السياسية التي يعوّل عليها الفرنسيون لتجديد دورة الحياة السياسية في لبنان، وتعديل ما في التوازنات النيابية”.

وفي هذا السياق، كشفت المصادر عن “عزم فرنسا إرسال مراقبين دوليين لمراقبة العملية الإنتخابية والتأكد من نزاهتها، للحؤول دون حصول عمليات تزوير وتلاعب بالنتائج، بالتوازي مع إرسال مراقبين لمراقبة عمليات الصرف داخل الوزارات والمؤسات في الدولة”.

ومن الإصلاحات التي يتمسك بها الفرنسيون، بحسب المصادر، “استمرار مسار التحقيقات الشفافة في تفجير مرفأ بيروت”، كاشفة أن “باريس ستعلن عن التقرير الفني التقني الذي أعدتها المخابرات الفرنسية حول قضية المرفأ”. كما كشفت المصادر عن أن “شركات فرنسية وأوروبية تعتزم تقديم عرض للمناقصات لإعادة إعمار المرفأ”.

في المقابل، أوضح عضو كتلة الوسط المستقل -“كتلة ميقاتي”- النائب علي درويش، في حديث لـ”أحوال”، أن “مؤتمر ماكرون – ميقاتي رسم الخطوط العريضة للخطط الاقتصادية والإصلاحية للإنقاذ، حيث تعهّدت فرنسا دعم لبنان عبر المؤتمرات الفرنسية والدول المانحة والإتحاد الأوروبي، على أن يُترجم ذلك خلال فترة زمنية قصيرة، فيما تعهّد ميقاتي بإنجاز الإصلاحات والتعاون مع صندوق النقد الدولي، لا سيما في قطاع الكهرباء”.

وتشمل الإصلاحات المالية، بحسب درويش، “تعديلات على المنهجية المالية، لا سيما في أداء مصرف لبنان وإعادة هيكلة قطاع المصارف والبنية المالية العامة وكيفية صرف الأموال، وبالتالي سيتم وضع خطة إئتمانية وخارطة طريق واضحة المعالم لتصحيح الأخطاء في مصرف لبنان والمصارف، ووضع جدول زمني لاسترداد أموال المودعين”.

وأضاف درويش لموقعنا: “إصلاح المرافق العامة تتضمن تصحيح منهجية الإدارة والمناقصات، اضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية”، لافتًا إلى أن “قدرة الحكومة على إنجاز هذه الإصلاحات والخطط، منوط بإرادة مكوناتها على تنفيذ المهمة، فلا مفرّ إلا السير بالعملية الإصلاحية وليس بالضرورة كافة الإصلاحات، بل بما يخدم مصالح الدولة”.

لكن هل تستطيع الحكومة التزام هذه الشروط بما قد تتضمّنه من ضرائب وأعباء جديدة، في ظل الواقع السياسي والاجتماعي في لبنان، والتوازنات داخل الحكومة على مسافة أشهر قليلة من الإنتخابات النيابية؟ لا سيما وأن الأحزاب السياسية تسعى للتخفيف من حدة الأزمات عن المواطنين، وتحديداً أزمة المحروقات والطوابير، وإقرار بعض التقديمات الاجتماعية كزيادة الرواتب والأجور في القطاع العام والبطاقة التمويلية ورفع سعر منصة سحوبات المصارف، لأهداف إنتخابية.

الباحث والمحلل في القضايا السياسية والاجتماعية، د. طلال عتريسي، أكّد في حديث لموقعنا أن “جميع القوى السياسية ترى بأن صندوق النقد هو الحل الوحيد المتاح لإنقاذ الاقتصاد”، متسائلاً عن مدى قدرة هذه الأحزاب على رفض الشروط، خصوصًا أن “رفض خيار الصندوق يتوقف على القدرة على إيجاد الحل البديل من دول عربية أو التوجه الى الشرق”، بحسب عتريسي الذي أوضح أن “موقف “حزب الله” مؤيد للتوجه الى الصندوق، لكن مع التحفّظ ورفض بعض الشروط القاسية التي تستهدف الطبقات الشعبية الفقيرة”.

ورأى “كل ما نشهده من تأليف الحكومة وتفاقم الأزمات، هو تمهيد للتوجه إلى صندوق النقد”، مشككًا بالمقابل “بحصول إعتراضات شعبية على شروط الصندوق، بدليل صمت المواطنين عن ارتفاع سعر الصرف والدواء والخبز والمحروقات، حيث فضّل المواطنون الوقوف لأيام في الطوابير بالطول بدل الوقوف بالعرض في الساحات والشوارع، وهذه ظاهرة تعبّر عن يأس المواطنين وانشغالهم في همومهم المعيشية”.

وفي السياق، توقّع عتريسي في حديثه لـ”أحوال”، حصول “سجالات وخلافات في مجلس الوزراء، قد تؤدي إلى ترحيل الإصلاحات القاسية إلى ما بعد الإنتخابات كي لا تنفجر القنبلة في الحكومة وتسقط وتنسف الانتخابات في آن معاً”، في حين أن النائب درويش كشف بأن “لا ضرائب جديدة على الطبقات الشعبية في المدى المنظور”، موضحاً أن “التركيز ينصبّ في الوقت الحاضر على معالجة الأزمات التي أرهقت كاهل الشعب، أما في المرحلة القادمة عندما تنتظم الأمور ويستقر سعر الصرف، فيمكن إعادة النظر بالسياسة الضرائبية وأسعار الخدمات”.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى