منوعات

“حكومة كليلة ودمنة”… رواياتٌ مملّة بانتظار الأفعال

ضفدعتان عالقتان في بئر، الأولى نجحت في الخروج منه لأنها صماء، بينما الثانية غرقت. بهذه القصة القصيرة أطلّ وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام للمرّة الأولى على اللّبنانيين، خلال مراسم تسلّمه الوزارة من سلفه راوول نعمة.

أما في وزارة العمل، فروى لنا وزير العمل مصطفى بيرم قصة العصفور الذي أثّر تفانيه في الغيوم، فراحت تبكي، مما أخمد النيران المشتعلة في الغابة.

قد يبدو الهدف من قصصٍ كهذه مستوحاة من كتاب “كليلة ودمنة” واضحًا، ولكن أن يكون الراوي وزيرًا في حكومةٍ طال انتظارها في بلدٍ يعاني من أزمةٍ قد تكون إحدى أسوأ الانهيارات المالية التي شهدها العالم خلال القرنين الماضيين، فهو أمرٌ مضحكٌ ومبكٍ في آنٍ معًا.

كيف لمواطنٍ لبنانيٍّ ينتظر في سيارته منذ ساعات الفجر الأولى أو منذ مساء أمس أن يستمع عبر المذياع إلى خطابٍ طفوليٍّ كهذا يصدر عن وزير؟! كيف لمريضٍ يدخل صيدليةً عاشرةً يبحث فيها عن دواءٍ هو بأمس الحاجة له ولا يجده، أن يقف قبالة شاشة التلفزيون ويهز رأسه إعجابًا بقصص وزرائنا الجُدد؟!

ليت التصريحات النارية جاءت على لسان وزراء حكومة ميقاتي فقط، فقد كان لزوجة وزير الاقتصاد حصتها من التصريحات أيضًا، ولا سيما حين تمنّت أن “يتقبّلونا اللبنانيون”. وكأن اللبنانيين رعيةٌ، وزراء ميقاتي وزوجاتهم أسيادها! بأي صفةٍ توجهت زوجة معاليه بحديثها إلينا؟ من ولّاها علينا أو أوكلها أمرنا؟

للأسف، هؤلاء جاءوا في وقتٍ لا طاقة للبنانيّين فيه على تحمّل هفوات أحد، أو انعدام خبرته. لقد ملّ الشعب التجربة، وما هو فيه من ضيمٍ لا يَحتمل التجربة، ولا سيما أن فساد المسؤولين الذين تعاقبوا على السلطة في العقود الثلاثة الأخيرة والمحسوبيات العائلية والصفقات المشبوهة لها الباع الأطول في ما نعيشه اليوم.

جزءٌ يسيرٌ من اللبنانيين لا يعوّل كثيرًا على أن تخرج الحكومة الجديدة “الزير من البير”، ولكن هذا لا ينفي أنّها أمام مسؤولياتٍ وتحدياتٍ كبيرةٍ، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهورية ميشال عون موصيًا الوزراء الجُدد “بالإقلال من الكلام والإكثار من العمل”، ولا سيّما أنّها رابع حكومات عهده والتي شُكِّلت بعد 13 شهرًا من تصريف الأعمال.

إن لم يعمل الوزراء الجدد بنصيحة رئيس الجمهورية، أقلّه فليراجعوا تجربة سابقيهم، أو بمعنى آخر ليطّلعوا على قصصهم بما أنّهم يحبّون القصص واستخلاص العبر منها.

كان يا ما كان، في قديم الزمان، في بلدٍ اسمه لبنان، وزير صحة نجح في مواجهة وباءٍ قلب الدنيا رأسًا على عقب، ولكن لسانه زلّ في بضع مواقع، فترك اللبنانيون كلّ إنجازاته وركّزوا على هفواته.

وعليه فإنّ الدرس المستفاد المطلوب من وزراء الحكومة الجديدة أن يستنتجوه هو أن الوضع الحالي غير مؤاتٍ، واللّبنانيين في أصعب ظروف حياتهم، والزلّات وإن كانت صغيرةً غير مغفورةٍ، وما من سبيل للاحتماء من جَلدِ الألسنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام سوى بقلّة الكلام والاستعراض الإعلامي.

وفي خضم أزماتهم المتراكمة التي تبدأ بارتفاع سعر صرف الدولار مقابل اللّيرة ولا تنتهي عند فقدان المحروقات والأدوية، من الأمور التي لا يلتفت اللّبنانيون لها اسم الحكومة الجديدة. فمن ينتظر لوقتٍ طويلٍ كي يُرزق بمولودٍ، لن يأبه بأي اسمٍ سيحمل.

من تسميتها حكومة “العمل والأمل”، التي رأى البعض فيها تشبيهًا بشعار حملة الرئيس السوري بشار الأسد خلال الانتخابات الأخيرة “الأمل بالعمل”، إلى حكومة “العزم والأمل” التي اعتبر الرئيس عون أنّها مستوحاة من تيار العزم وحركة أمل، إلى حكومة “معًا للإنقاذ”، الأكيد أنّ آخر ما يهمّ الشعب اللّبناني حاليًا اسم الحكومة وقصص وزرائها، وكلّ ما يحيط بها من قشورٍ. ما يريده ويهمّه هو الفعل الذي ينقذه من طوفانٍ يبتلع لبنان واقتصاده وشعبه.

 

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى