منوعات

المنطقة الحدودية: مياه الأهالي تُسرق منهم وتُباع لهم

تحوّلت برك “مشروع الطيبة”، المعد منذ عشرات السنين لجرّ وضخ المياه من الليطاني الى أكثر من 45 بلدة وقرية في جنوب لبنان، الى مركز لبيع المياه الى الأهالي، بواسطة أصحاب الجرّارات الزراعية وصهاريج المياه.

“أكثر من 50 نقلة مياه يتم نقلها الى منازل الجنوبيين من برك المشروع بأسعار مختلفة حسب مسافة الطريق”، يقول موظف متقاعد في مؤسسة مياه لبنان الجنوبي، مبيناً أن ” توقف ضخ المياه الى القرى والبلدات بسبب الانقطاع المستمرّ للكهرباء، وانقطاع المازوت، وجشع بعض الموظفين الذين يوزعون المياه حسب مصالحهم الشخصية، أدى الى تهافت الأهالي على شراء المياه منذ بداية فصل الصيف وحتى يومنا هذا”، لافتاً الى أن ” أصحاب الصهاريج فضلوا التوجه الى برك المياه لسحب المياه مجاناً، وأحيانا بتغطية من الموظفين، وبيعها الى الأهالي”.

ثمن نقلة المياه الصغيرة وصل الى أكثر من 500 ألف ليرة ، وهذا شكلّ عبئاً كبيراً وغير محسوباً على معظم الأهالي المقيمين في المنطفة الحدودية وفي قرى وبلدات بنت جبيل ومرجعيون.

يلفت المزارع أحمد قشمر (ربّ ثلاثين) الى أن “أزمة المياه التي يزيد عمرها عن عشرات السنين، أصبحت أم المصائب هذا الصيف، بسبب ارتفاع ثمن نقلة المياه، وعدم تناسبه مع الأحوال المالية للأهالي الذين يعتمد معظمهم على الزراعة”.

وبحسب المزارع أحمد عليان فان “صاحب الجرّار الزراعي يستطيع نقل أكثر من 10 نقلات يومياً نظراً لزيادة الطلب على المياه وقرب المسافة، وهذا ينسحب على أصحاب الشاحنات الكبيرة التي تؤمن المياه أيضاً من مشروع الطيبة ونهر الليطاني وبعض الآبار الارتوازية التي تم حفرها من قبل مجلس الجنوب في أسفل الحجير، بسعر سزيد على 800 ألف ليرة للنقلة الواحدة”.

المشكلة كما يقول قشمر أن “الآبار الارتوازية ومشروع المياه في الطيبة تم انشائها من أجل أن تصل المياه مباشرة الى منازل الأهالي، الذين يتوجب عليهم فقط دفع الرسوم السنوية الى مصلحة المياه، لكن ما يحصل أن هذه الانجازات التي كبّدت الدولة ملايين الدولارات، هي في خدمة المنتفعين فقط”. المنتفعون هنا هم “أصحاب الشاحنات والجرّارات الزراعية، والنافذين من أبناء المنطقة، الذين يملأون آبارهم المنزلية يومياً بالمياه التي تنقل اليهم من المشروع أو الآبار، فقط لأنهم نافذون أو من الأغنياء الذين يستطيعون دفع الرشاوى للموظفين، وهذا الأمر الذي يمنع وصول المياه الى معظم المنازل الأخرى، من الفقراء والمزارعين الذين يضطرون الى شراء المياه يومياً”.

الأكثر ايذاءً للأهالي هو أن “بعض المنتفعين الذين يملأون آبارهم بسبب فتح عيارات المياه برضى الموظفين أو بقدرة نافذ، يبيعون المياه الى جيرانهم، فأصحاب الشاحنات والجرارات الزراعية يقصدون هؤلاء أيضاً لتأمين المياه بأسرع وقت ممكن لكن بالأسعار نفسها” بحسب أحد أبناء بلدة حولا (مرجعيون) التي انتفض عدد من أبنائها خلال الشهرين الفائتين، وأقفلوا الطريق العام الرئيسي للبلدة “اعتراضاً على حرمان معظم منازل البلدة من المياه، لمصلحة المنتفعين”.

يؤكد عدد من أبناء حولا على أن “آبارهم المنزلية فارغة، ويشترون المياه يومياً أو أسبوعياً، والمنتفعون لا يرحمون، مثلهم مثل تجّار البنزين الجدد، وأن المحسوبيات قد تكون في خدمة بلدات دون غيرها، لأن احدى البلدات المجاورة يستفيد معظم أبنائها من خدمة بئرين أرتوازيين اضافة الى كميات المياه الكبيرة التي تصلها من مشروع الليطاني”.

تحاول بعض المجالس البلدية التوصل الى حلّ جزئي لتخفيف الأكلاف عن كاهل الأهالي، اذ عمدت بلديتي العديسة والطيبة الى تكرير مياه العيون وتقديمها مجاناً للأهالي، وكذلك حال بلديتي مركبا وشقرا، اللتين أنشأتا خزانات مياه مجهّزة بفلاتر لتوفير مياه الشفة المجانية للأهالي.

داني الأمين

داني الأمين

صحافي وباحث. حائز على اجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى