لبنان الوطن أصبح حلماً لكلّ من يؤمن بالمواطنية، في بلد تحكمه الطائفية والمناطقية. حلم أشبه بكابوس لأيّ لبناني حرّ يريد أن يعبّر عن معتقده ورأيه جهاراً، بحيث تتحوّل بعض الطقوس_على قدسيتها، إلى أداة استفزاز ونفور للبعض “الآخر”.
يافطة عن الإمام الحسين، رمز الثورة ضد الباطل، خرقت المحظور وأشعلت منطقة خلده- حي العرب طائفياً، بين مؤيدين لحزب الله وأبناء العشائر. اشتعال أشعل معه خلده الشويفات وأنتج قتيلين وجرحى وأضراراً مادية. في 27 آب، وبظلّ تناحر الأحزاب على فرض السيطرة، تم خرق حدود المحظور، والمحظور هنا هو في إطار الحدود الجغرافية… “هذه المنطقة لنا”.
وكيل داخلية الشويفات خلدة: جمر تحت الرماد
“جمر تحت الرماد يشتعل في خلده اليوم”. هكذا يختصر وكيل داخلية الشويفات-خلده في الحزب التقدمي الاشتراكي والمكلّف بمتابعة الملف، الوضع الحالي. ويقول لـ “أحوال”: “خلده التي تضمّ التنوع اللبناني المسيحي الدرزي والشيعي، والسنيّ، معرّضة لاشتعال واقتتال قريبين، ولن يمكن لأحد إيقاف الأمر، متهماً الطرفين المتنازعين بضرب مصداقية الوسيط ( الاشتراكي) بعدم التزامهما، متمنياً عليهما التجاوب ومتابعة الملف بطريقة جديّة وصحيحة.
وكان تدخّل الاشتراكي كوسيط بين الطرفين لحلّ النزاع، ولإيقاف التوتر والاشتباك المسلّح، وتم إيقاف التحركات الاستفزازية وبسط الجيش سيطرته. لكن وقفت الأمور عند هذا الحدّ. وهنا يكشف أبي فرج عن نيّة الاشتراكي الإنسحاب من الملف بسبب تكاسل التحقيق بالجريمة، سيّما أنّه تعهّد لعشائر خلده بإيصال الأمور إلى خواتيمها بطريقة تحفظ الدماء التي سقطت. ويلفت أبي فرج إلى تصعيد محتمل خلال أيام، أقلّها تسكير طرقات وأعمال شغب، والسبب “البطء في مجريات التحقيق ونعلم جديّاً بيد من القضاء” ملمّحاً بذلك إلى التيار العوني حليف حزب الله.
ويحذّر أبي فرج من خطوات تصعيدية بانتظارنا خلال أيام. “إذا لم يتجاوب القضاء، نحن الإشتراكي سنوقف التفاوض بهذا الملف”، لافتاً أنّه “نحن لا نستطيع القبول باستغلالنا فقط لإيقاف مشكل، ونحن نحترم أرواح الشهداء ولن نقبل أن تقف الأمور عند هذا الحد.”
ويقول أبي فرج: منطقة خلده منظورة من الجميع، بظلّ تسيّد لغة القضم السياسي من قبل حزب الله والأحزاب الثانية للحصول على المكاسب. وهذه المنطقة تعني حزب الله لأنّها الخط الرئيسي للجنوب وبيروت، ولكن لا يمكن أن نغفل أنّها مدخل الشويفات وعرمون والناعمة والسعديات والشوف والعشائر العربية.” ويتابع، ما حصل في 27 آب، من استفزاز عند تعليق اليافطة لذكرى عشوراء هو الدليل القاطع أنّ كل حزب يعتبر هذه المنطقة منطقته. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها تعليق يافطات، إنّما نظراً لحساسية الموقع (المدخل الرئيسي لشارع حي العرب بالسكن)، حيث اعتبرها عرب خلده استفزازاً لهم. ويعتبر وكيل داخلية الشويفات – خلدة أنّ تزامن تعليق اليافطة مع المحكمة الدولية زاد الأمر اشتعالاً ” فيما كان هناك اتفاقاً مسبقاً بين الأحزاب على عدم استفزاز ونزع يافطة وتبديلها”، لافتاً إلى أنّ النزاع كان ممكن أن يأخذنا إلى استقتال سياسي، “لوما تدخّل الاشتراكي” بالتنسيق مع الطرفين لوقف الاستفزاز. ويضيف، “عرب خلده أهلنا وناسنا، ومن واجبنا وقف الدم والاستفزاز. وعليه، “تمنينا على حزب الله التعاون كوقف إطلاق النار ودورة الحركة الأمنية والعسكرية في المنطقة، وتجاوب. وقمنا بالتنسيق مع الجيش الذي أوقف إطلاق النار، وفتح الطرقات. ”
ويؤكّد أبي فرج أن لا نيّة لحزب الله بافتعال حرب داخلية، مستدركاً أنّ التحقيق حتى الساعة لم يستدعِ أحداً من عناصره بل تم استدعاء شباب من عشائر العرب رغم وجود دعوى بحق “علي شلبي” المحسوب على حزب الله والمتهم بقتل غصن، والمطلوب ترحيله وعائلته من المنطقة بطلب من عرب خلده. بالمقابل، يعتبر حزب الله أنّ هذا ممكن في حال ثبوت التهمة عليه.
ويعتبر أبي فرج أنّ دور الاشتراكي غير محصور بمناطق، وهذا الدور هو ما كرّسه كمال جنبلاط الداعي إلى دولة مدنية، لا تحكمها كانتونات طائفية ومناطقية. ويلفت، أنّ عشائر العرب هم من أهل الشويفات عبر التاريخ، ومعظم من ينتمون للعشائر هم مناصرون للاشتراكي أو منتمون للحزب.
وعن تكليف حزب الله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بمتابعة ملف خلده، يقول وكيل داخلية الشويفات خلده: “حزب الله يعرف إمكانية جنبلاط، ويعرف أنّ جزءاَ من الشارع السني يناصر قرارات وليد جنبلاط.” ويصف الخطوة بالذكية، “حيث أنّ موقع وجود إخواننا العرب في خلده، يؤكد ضرورة التنسيق معه.”
وعن علاقة الاشتراكي بحزب الله، يلفت أبي فرج أنّ التواصل قائم، “نحن لا نتفّق معهم بالتدخل الخارجي، أمّا بالداخل هناك خلاف سياسي وتباعد في ما يتعلّق بأداء الحزب. ويرى أنّ هناك انقسام في صفوف الحزب بين الجناح العسكري المؤيّد لفرض فائض القوة على اللبنانيين، ورأي عقلاني سياسي يتفهّم كيان المجتمع اللبناني، ويدرك مدى خطورة بسط القوة على تقييم أداء الحزب.
وعن الشقّ المعنوي والمادي الذي دفعه أهل خلده، يطالب وكيل داخلية الشويفات خلده بتعويض للمتضرّرين. ويلفت أنّه بظل غياب الدولة، أحداث خلدة كانت أوصلت البلد لاقتتال داخلي وانقسام سني شيعي، متمنياً على أجهزة الدولة بسط سيطرتها، وأن تأخذ على عاتقها حلّ هذا الملف وإغلاقه.
دور طلال أرسلان في ملف النزاع
أشارت مصادر خاصة لـ “أحوال” أنّ النائب طلال ارسلان كان مستبعداً من التدخل بحلّ النزاع من قبل حزب الله، حتى أجرى الأخير اتصالاً مع النائب علي حسن خليل مبدياً نيته بالتدخل. ونقل الخليل مطلب أرسلان إلى حزب الله عبر وفيق صفا مسؤول لجنة الإرتباط والتنسيق المركزية في حزب الله. وكشفت المعلومات أنّ خلال أداء ارسلان لواجب التعزية في خلده، طلب عمّ المغدور به غصن السعي لتسليم الجاني على اعتباره مقرباً من الحزب. وتعهّد النائب ارسلان بتسليم القاتل، من هنا انسحب الاشتراكي ” تاركين له الدور لمتابعة الملف.”