لا تزال الضبابية تسود المشهد الحكومي في ظل مراوحة قاتلة تلف المفاوضات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي حول عقدة توزيع الحقائب مع ظهور عقد مستجدة خلال الأيام القليلة الماضية كعقدة المالية والشؤون الاجتماعية.
وتشير مصادر مطلعة على الملف الحكومي لـ”أحوال” إلى أنّ “الأجواء أقرب إلى التشاؤم منها إلى التفاؤل، لأسباب عدة:
- ارتباط ميقاتي بمرجعيته “نادي رؤساء الحكومات السابقين” الذي يقررون استمرار ميقاتي بمهمته للضغط على عون وفرض تركيبة حكومية عليه تحت وطأة الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية، أم الطلب منه تقديم اعتذاره لإحراج عون وحزب الله ودفع البلاد أكثر نحو التأزم والانهيار.
- انتظار إفراج المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن تقريره الظني الأوّل المتوقع في أيلول المقبل لترقب تداعياته على المستويات القضائية والسياسية والشعبية.
- الموقف الدولي لا سيّما الأميركي المتجاهل للملف اللّبناني منذ فترة طويلة، والموقف السعودي الذي لا يوحي بتقديم الدعم السياسي والمالي لحكومة ميقاتي
وفي هذا السياق علم “أحوال” أن الاتصالات المباشرة شبه مجمدة بين عون وميقاتي منذ اللّقاء الأخير، مع دخول وسطاء بينهما على خط الاتصالات. رغم أنّ مصادر مقرّبة من ميقاتي تؤكد أنّ الأجواء غير سلبية والمشاورات مستمرة وقد تحرز تقدماً خلال الأيام المقبلة وبالتالي لم نصل بعد لإعلان الفشل.
في المقابل أشارت أوساط مطلعة على موقف بعبدا لـ”أحوال” إلى أنّ “عون متمسك بموقفه بالحصول على وزارة الداخلية كضمانة للعهد ولتياره في الحكومة المقبلة التي ستشرف على استحقاقات عدّة أهمها الانتخابات النيابية لا سيّما وأن الحكومة العتيدة لن تستلحق الإصلاحات المالية والاقتصادية، بل مهمتها الأساسية الإشراف على الانتخابات، ويخشى عون والنائب جبران باسيل أن يتمّ التلاعب بها لصالح الخصوم السياسيين على الساحة المسيحية”، ولفتت الأوساط إلى أنّ “الضغط على عون بطرق ووسائل عدّة لن يؤثر على موقفه، رغم انفتاحه على كلّ الطروحات والصيغ الحكومية”.
وفي هذا السياق يشير الوزير السابق المحامي كريم بقرادوني في حديث لـ”أحوال” إلى أنّ “تشدّدَ عون نابع من أزمة الثقة بينه وبين “نادي الرؤساء” والتجربة غير المشجعة مع الرئيس سعد الحريري. لذلك يسعى لتعزيز مكانته وتياره السياسي في الحكومة التي قد تبقى إلى ما بعد الانتخابات ونهاية العهد، في ظل غياب الكيمياء بين عون وميقاتي”.
ويتساءل بقرادوني: لماذا يمنح عون ميقاتي ما رفض منحه للحريري؟ لافتًا إلى أنّ لبنان أمام أزمة ثقة بين المرجعيتين الرئاسيتين المسيحية والسنية، معطوفة على أزمة نظام سياسي أثبت فشله وعقمه في حل الأزمات. ويبدو بقرادوني أقرب للتشاؤم بإمكانية ولادة الحكومة خلال أسبوعين كما يُشاع. فحتى الساعة هناك خلاف على عدّة أمور:
- هل سيتم اعتماد المداورة أم عدم المداورة أم نصف مداورة؟
- خلاف مستجد على حقيبة المالية في ظل مطالبة عون بها كثمن للتنازل عن الداخلية في ظل استحالة موافقة ميقاتي لكي لا يصطدم مع الرئيس نبيه بري.
- خلاف على الحقائب السيادية والخدماتية أيضاً في ظل إعلان النائب السابق وليد جنبلاط تمسكه بحقيبة الشؤون الاجتماعية التي ستمر عبرها معظم المساعدات الخارجية للبنان.
وبرأي بقرادوني فإنّ المناخ الدولي والإقليمي غير مؤاتٍ لتأليف الحكومة، في ظل الموقف السعودي الأخير على لسان السفير السعودي وليد البخاري، والذي عكس اعتراضاً سعودياً على أي حكومة تضمّ ممثلين عن حزب الله بمعزل عن هويّة وشخصيّة رئيسها أكان الحريري أم ميقاتي أم أي مرشح آخر، وذلك بسبب الصراع المستعر الإيراني – السعودي في المنطقة ورئاسة الحكومة جزء أساسي من هذا الصراع. لذلك لن تسهّل السعودية وتحالفها حكومة لإنقاذ العهد المتحالف مع إيران وسورية وحزب الله.
ويعتبر بقرادوني أن “ميقاتي ارتكب خطيئة سياسية عندما ادّعى بأنه يلقى الدعم الخارجي الأميركي والفرنسي والخليجي لفرض نفسه على القوى السياسية وعلى رئيس الجمهورية بشكل خاص.
ويشير إلى أنّ لبنان لا يزال يخضع للحصار الخارجي المالي والاقتصادي في ظل انقسام بين القوى السياسية وصل إلى حدّ استحالة التعايش السياسي تحت سقف حكومي واحد، وهذا الواقع الصعب في لبنان يشكل فرصة للقوى الدولية لانتزاع مكاسب سياسية وأمنية داخلية من لبنان ومن حزب الله وعون تحديداً، ومكاسب خارجية تتعلق بالصراع الإيراني – الأميركي السعودي.
ويرجّح بقرادوني فشل تأليف الحكومة واعتذار ميقاتي قبل نهاية الشهر الجاري وإجراء استشارات نيابية جديدة قد لا تنجح أيضاً بالتكليف والتأليف وبالتالي بقاء حكومة تصريف الأعمال إلى وقت طويل.
وأمام هذا الواقع فإنّ المشهد الحكومي مفتوح على ثلاثة احتمالات:
- الأول اعتذار الرئيس ميقاتي والبدء باستشارات جديدة
- التوصل إلى اتفاق على الملف النووي الإيراني بين طهران والمجتمع الدولي وانعكاسه إيجاباً على الداخل اللّبناني.
- نجاح الجهود الفرنسية مع واشنطن والرياض لتمرير حكومة مؤقتة في لبنان لقطع الطريق على سعي حزب الله إمداد اللبنانيين بالنفط والمواد الغذائية والأدوية من إيران وبالتالي دخول طهران على الساحة اللّبنانية من النافذة الاقتصادية وتهديد المصالح الأميركية الخليجية.
محمّد حميّة